أفلاطونية محدثة

 التسمية التى أطلقت منذ القرن التاسع عشر على مدرسة للصوفية الفلسفية والتى تكونت في القرن الثالث مبنية على تعاليم أفلاطون وتابعيه الأوائل. ويعد أفلاطون وأستاذه أمونيوس سكاس من المساهمين الأوائل في تلك الفلسفة. ترتكز الأفلاطونية المحدثة على الجوانب الروحية والكونية فى الفكر الأفلاطوني مع مزجها بالديانتين المصرية االقديمة  واليهودية وعلى الرغم من أن اتباع الافلاطونية الجديدة كانوا يعتبرون أنفسهم ببساطة متبعين لفلسفة أفلاطون إلا إن ما يميزها فى العصر الحديث يرجع إلى الإعتقاد بان فلسفتهم لديها الشروحات الكافية التي لا نظير لها لفلسفة أفلاطون والتى تجعلها مختلفة جوهرياً عما كان أفلاطون يكتب ويعتقد.

الأفلاطونية الجديدة لأفلاطون وفورفوريس هي في الواقع مجرد اتباع لفلسفة أفلاطون هكذا أشار إليها أساتذة مثل جون ترنر. هذا الإختلاف جاء متناقضاً مع الحركات الأفلاطونية الجديدة التى جاءت بعد ذلك من أمثال لمبليخوس وبرقلس والتي تبنت الممارسات السحرية ” ثيورجى” كجزء من تطور النفس فى عملية عودة النفس إلى الأساس أو المصدر. وقد سعى أفلوطين لتوضيح بعض العادات فى فلسفة أفلاطون على الأرجح بسبب ما تعرضت له من تشويه وتحريف من قِـبَـل لمبليخوس.

أخذت الأفلاطونية الحديثة شكلاً تعريفياً على يد الفيلسوف أفلاطون ويقال إنه تلقى تعليمه من أمنيوس سكاس فيلسوف من الإسكندرية، كما تأثر أفلاطون بالكسندر الأفروديسي ونومنيوس الفامي وقد جمع تلميذ أفلاطون فروفريوس دروسه فى ست مجموعات فى كل مجموعة تسع رسائل أو التاسوعيات ومن ضمن فلاسفة الأفلاطونية الجديدة من جاء بعد ذلك : لمبليخوس، هيباتيا الإسكندرانية، هيركلييس الإسكندرانى، برقلس (الأكثر تاثيراً فى كل فلافسفة الأفلاطونية الحديثة فيمن جاء لاحقاً) الدمشقى (آخر فلاسفة مدرسة الأفلاطونية الحديثة فى أثينا، أوليبمبيدروس الصغير، سيبمبليسيوس الصقلي.

تأثر مفكري الأفلاطونية الحديثة بمفكرين من مدارس فكرية أخرى على سبيل المثال جوانب محددة من الأفلاطونية الحديثة أثرت في المفكرين المسيحيين مثل (أوغسطين، بوثيوس، جون سكوتس أورجينا، بونافنشر) بينما أثرت أفكار المسيحية فى فلاسفة الأفلاطونية الجديدة (وأحياناً جعلتهم يتحولون) مثل (ديوسنوس، اروبايجيت).                                                                                                فى العصور الوسطى تعامل مفكرين مسلمين ويهود بجدية فى أفكارهم مع قضايا جدلية في الأفلاطونية الحديثة مثل: الفارابي وموسى ابن ميمون؛ مما أحدث نهضة من خلال تعلم نصوص من الفلسفة الأفلاطونية الحديثة وترجمتها من اليونانية والعربية                                                              المبشرين الأكثر أهمية للأفلاطونية الحديثة هم البلتونيستس الأوسطين، مثل فلوطرخس و الفيثاغورين الجدد وبشكل خاص نومينيوس الافامي.  فيلون السكندري، رائد الأفلاطونية الحديثة ترجم اليهودية إلى مصطلحات الرواقي، الأفلاطونيين وعناصر الفيثاغورين الجدد آمنوا أن الله هو “فوق المعقول” الذي لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال “النشوة” وذلك أن نبوؤة الله تزود مواد المعرفة الأخلاقية والدينية. الفلاسفة المسيحيين القدامى مثل جاستن وأثيناغوراس الذين حاولوا ربط المسيحية مع الأفلاطونية والغنوصيين المسيحيين في الاسكندرية وخاصة فالنتينوسوأتباع باسيليدس، أيضًا عناصر من الأفلاطونية الحديثة وإن كان دون تماسكه الذاتي الصارم.

افلا
أفلاطون

الأفلاطونية الحديثة عمومًا تعتبر فلسفة ميتافيزيقية وفلسفة معرفية وتعتبر الأفلاطونية الحديثة شكل من المثالية الوحدوية (وتسمى أيضا الوحدوية الإيمانية) وتجمع بين عناصر من الشرك. على الرغم من أن مؤسس الأفلاطونية الحديثة من المفترض أن يكون أمونيوس السقاص فإن إنياذة تلميذه أفلاطون تعد المستند الأساسي والكلاسيكي من الأفلاطونية الحديثة. كشكل من أشكال التصوف وتحتوي على أجزاء نظرية وعملية، الأول يتناول أصل النفس البشرية العالية مبينا كيف غادرت من وضعها الأول والثاني يبين الطريقة التي يمكن بها للروح أن تعود مرة أخرى إلى الخلود والعلاء الاعظم. ويمكن تقسيم النظام بين العالم الخفي والعالم الاستثنائي، يحتوي السابق على المتعالي من الذي تنبثق منه الأبدية والكمال والجوهر (العقل) والذي بدوره ينتج روح العالم.                                                      المصدر البدائي للوجود هو الواحد واللانهائي على عكس التعدد والمحدودية فهو مصدر كل الحياة وبالتالي هو يمثل السببية المطلقة والوجود الحقيقي الوحيد ولذلك فإن الميزة الأهم فيه هو أنه هو وراء كل الوجود بل والمصدر لكل شيء لذلك فإنه لا يمكن أن يكون معروفًا من خلال المنطق أو الفهم لأنه مايكون جزءًا من الوجود فقط هو ما يمكن أن يُعرَف وفقًا لأفلاطون. كائن وراء الوجود هو أكثر الحقائق جدية فهو مصدر الأشياء الأقل حقيقة وهو علاوة على ذلك يمثل الخير طالما أن كل الأشياء المحدودة تملك سبباً عنده ويجب أن ترجع إليه. ولكن المرء لا يمكن أن يعلق السمات الأخلاقية إلى المصدر الأصلي للوجود نفسه لأن هذا قد يعني الحد من صفاته فلا يوجد لديه سمات من أي نوع بدون حجم لكن بخصائص دقيقة بل ويجب علينا عدم التحدث في الأمر على أنه كائن بل هو “أعلى من الوجود”، “أعلى من الخير” كما أنه يعمل دون مرجع ومن خلال عمله كقوة فاعلة فإن مصدر بداية الوجود ينتج على الدوام شيئًا آخر دون تغيير أو حركة أو انتقاص من نفسه، هذا الإنتاج ليس عملية فيزيائية ولكن انبعاثات قوة فالمنتَج له وجود بشكل حقيقي فقط بتأثير من عمل المصدر الأصلي للوجود بحيث أنه يمكن وصف الأفلاطونية الحديثة كنوع من وحدة الوجود الحيوية. الأشياء خلقها “الواحد” سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر وجميع الأشياء ما دامت موجودة فهي إلهية والإله هو الكل في الكل ومع ذلك فإن الوجود المستمد لا يشبه المصدر الأصلي للوجود نفسه وإنما يخضع لقانون نقص الكمال وهو في الواقع صورة وانعكاس للمصدر الأول للوجود ولكن كلما طال خط التوقعات المتعاقبة أصبحت مساهمتها أصغر في الوجود الحقيقي وبالتالي يمكن تصور مجمل الوجود على شكل سلسلة من الدوائر متحدة المركز تتلاشى بعيدًا نحو حافة عدم الوجود وقوة الوجود الأصلي في الدائرة الخارجية تكون كمية متلاشية. تتحد كل مرحلة (أقل من الوجود) مع (الواحد) بجميع المراحل الأعلى وتلقى نصيبها من الواقع بالانتقال بينهم فقط؛ ومع ذلك فإن لدى كل الوجود المستمد ميلًا نحو التوق للأعلى والانحناء إليه بقدر ما تسمح طبيعته. كان علاج أفلاطون لمادة الواحد أو جوهره (أوجا) يهدف إلى التوفيق بين أفلاطون وأرسطو، في حين عامل أرسطو الجوهر الفرد ككيان واحد مكون من مادة واحدة (هنا كما الإمكانية والحقيقة)، كما وفق أفلاطون بين أرسطو وأفلاطون “الخيِّر” بالتعبير عن مادة الواحد أو جوهره على أنها إمكانية أو قوة.

نصف الخالق أو العقل

يبعث أو يلقي الكائن الأصلي في البداية بالعقل، والذي يعتبر صورة مثالية للواحد ولكل شيء موجود، وهو في نفس الوقت كائن وفكر وفكرة وعالم مثالي على حد سواء. كصورة يتوافق العقل تماما مع الواحد ولكنه كمشتق يعتبر مختلفا تماماً. ما يفهمه أفلاطون بواسطة العقل يعتبر أعلى مجال في متناول العقل البشري، في حين يكون أيضا الفكر النقي نفسه. العقل هو العنصر الأكثر أهمية من المثالية، كون الأفلاطونية الحديثة شكل نقي من المثالية الديميورغوس (العقل) هو الطاقة، أو إرغون (يعمل)، الذي يظهر أو ينظم العالم المادي إلى قدرة الإدراك الحسي.

الصورة والناتج للعقل الساكن هي عالم الروح، والتي بالنسبة لبلوتونيوس، هي لا مادية مثل العقل، صلتها بالعقل هي مثل صلة العقل بالواحد تقع بين العقل والعالم الحسي، ومخترقة ومنورة بالسابق ولكنها أيضا ملامسة باللاحق، العقل/الروح غير مجزئة؛ عالم الروح قد يحافظ على وحدته ويبقى في العقل ولكن في نفس الوقت لديه القدرة على التوحد مع العالم الجسدي ومن ثم قد يتفتت، هو إذًا يحتل مركز متوسط كعالم روحي مفرد وهو ينتمي في الخلاصة والمقصد إلى العالم المعقول، ولكن أيضا يشمل أرواح لا تعد ولا تحصى وهذه الأرواح قد تسمح لنفسها بأن تُعَرف من الروح أو تختار العالم الحسي وتخسر نفسها في مملكة الحس والمحدودية.

الروح باعتبارها جوهراً مؤثراً، تولد العالم المادي أو العالم غير الظاهري، هذا العالم يجب أن يمتد من خلال الروح والتي يجب أن تبقى أجزائها المختلفة في وئام تام، لم يكن أفلاطونثنائياً في شعوره كالطوائف مثل: الغنوصيين، بالمقابل كان معجباً بجمال العالم وروعته طالما أن الفكرة هي التي تتحكم أو طالما أن الروح تتحكم بالجسد إذ أن العالم عندها يكون عادلاً ونزيهاً، إنها صورة – على الرغم من أنها صورة غامضة – من العالم العلوي ودرجات الحسن والسوء فيها ضرورية للإنسجام الكلي ولكن في العالم الظاهري الفعلي تستبدل الوحدة والانسجام بالنزاع والخلاف والنتيجة هي الصراع بحضور واختفاء يشكّل وجوداً وهمياً وسبب هذه الحالة هو أن الأجساد تعتمد على أساس الجوهر، والجوهر غير المحدد بصفات إذا كان مفتقراً للشكل والفكرة، هو الشر وهو قادر على تشكيل محايدته. فمفهوم الشر هنا كالطفيلي ليس له قدرة على البقاء بشكل خاص به (parahypostasis) وهو أيضاً نتيجة لامفر منها في الكون ووجود “الآخر” ضرورة كعامل انسجام.

هنا ندخل إلى الفلسفة العملية وعلى نفس الطريق فإنه يجب على الروح أن تتقفى خطواتها للعودة إلى الخير الأسمى ويجب عليها قبل ذلك أن تعود إلى نفسها ويتم إنجاز هذا من خلال ممارسة الفضيلة التي تؤدي إلى الله وتشبيهه في آداب أفلاطونجمعت جميع الطرق القديمة الخاصة بالفضيلة ورتبت في سلسلة متدرجة المرحلة الدنيا هي الفضائل المدنية ثم تتبعها التنقية والأخيرة وهي الفضائل الإلهية أما الفضائل المدنية فهي مجرد تزيين للحياة من دون رفع للروح. هذا هو مكتب الفضائل المطهرة، حيث تتحرر الروح من الحسية وتقاد عائدةَ إلى نفسها ومن ثم إلى العقل من خلال ملاحظات زاهدة. من خلال احتفالات التقشف يصبح الإنسان مرة أُخرى كائِن روحي دائم الوجود وخالي من الخطيئة. ولكن هناك هدف أسمى إذ لا يكفي أن يخلو الفرد من الآثام فقط بل يجب عليه أن يسعى ليكون”إله” (الوحدانية). هذه المرحلة يتم التوصل إليها من خلال تأملات الكائن البدائي. أو بعبارة أخرى عبر نهج وجداني إذ لا يمكن أن يقودك الفكر إلى هذه المرحلة وذلك لأن الفكر يصل فقط إلى العقل وهي بحد ذاتها نوع من الحركة.

في حالة الاستسلام والسكون التام فقط تستطيع الروح إدراك ومس الكائن البدائي. من هذا المنطلق فإنه يجب على الروح أن تعبر أولاً من خلال منهج روحاني بداية بتفكر الأشياء المادية في تعددها وتوافقها ثم الإنكفاء على نفسها والعودة إلى أعماق كينونتها ثم تصاعدها إلى العقل (حيث يقع عالم الأفكار)، ولكن بالرغم من أنه لا يوجد حد أعلى مطلق إلا أنه لا يزال يسمع صوتاً يقول: “لا نحن من صنعنا أنفسنا”.

آخر مرحلة وصلت إليها هي في قمة التوتر والتركيز، ينظرون في صمت ونسيان مطلق في كل شيء وأنه قادر كما كان ليخسر نفسه بعد ذلك ربما يستطيع رؤية الإله مؤسس الحياة مصدر الوجود لأنه أصل كل الاشياء الجيدة وجذر الروح. في هذه اللحظة يستمتع بأعلى النعم الغير قابلة للوصف حتى الألوهية اغتسل في ضوء الخلود يقول بورفير بأن في أربع مناسبات خلال ست سنوات من الاتصال، وجد أفلاطونلهذا الاتحاد إنجذاب مع الله.

التسلسل الهرمي الإلهي

فلسفة   أفلاطون الدينية كانت كافية بدون مساعدة من الدين الشعبي أو العبادة ومع ذلك سعى للحصول على نقاط دعم فيهما. “الله” بالتأكيد هو أول كيان وجودي كشف في مجموعة الإنبثاقات ومظاهره. درس أفلاطون وجودية الإله بشكل متسامي يفوق الوصف، ومنه تم انبثاق بقية الكون وذلك بإعتباره سلسلة من الكائنات الأقل، وفي وقت لاحق، أضاف فلاسفة الأفلاطونية الحديثة وخاصة امبليكوس مئات من الكائنات الوسيطة مثل الآلهة والملائكة والشياطين والكائنات الأخرى كوسطاء بين الإله الواحد والإنسانية. والآلهة الأفلاطوينة الحديثة كانت متعددة المثالية، والكائنات لا تعرض السلوك غير الأخلاقي كما ارتبط تمثيلها في الأساطير.

  • الواحد: الله، والخير، والمتعال والفائق الوصف.
  • ألهة كل الأكوان: الذي يصنع الجوهر والحياة والروح.
  • ديميورغ الخالق: خالق الكون المادي
  • آلهة الكون: أولئك الذين يصنعون الوجود والطبيعة والمادة بما فيهم الآلهة المعروفة لدينا من الأديان القديمة.                                                                                                                   الأفلاطونيون الحديثون يعتقدون بأن كمال الإنسان وسعادته شيء يمكن بلوغه في هذا العالم دون الإنتظار إلى الحياة الأخرى ، كما يرون أن الكمال والسعادة مترادفان يمكن تحقيقهما من خلال التأمل الفلسفي. لم يؤمنوا بوجود مستقل للشر بل قارنوه بالظلام الذي لا يوجد بذاته، لكونه مجرد غياب للضوء، وعلى ذلك فالشر هو غياب للخير أيضاً. إن الأشياء جيدة وخيره بقدر ماهي موجوده، وهي سيئة وشريرة بقدر ماهي غير كاملة، وبالتالي ينقصها بعض الخير الذي كان يجدر بها أن تمتلكه، كان الحجر الأساسي للأفلاطونية الحديثة هو التعليم بأن كل الناس سيعودون للمصدر، وهذا المصدر سواء كان مطلقاً أو واحداً تنبع منه كل الأشياء بوعي فائق وكل الأشياء تعود إليه، بإمكاننا القول إن كل الوعي يمكن أن يُمسح ويتحول إلى لوح فارغ عند العوده إلى المصدر، لكي تمتلك كل الأشياء قوة أو إمكانية دينامية بماهيتها وهذه الإمكانية تولد الطاقة..

 

و يؤمن الأفلاطنيون بوجود حياة سابقة وبخلود الروح  ويؤمنون أيضاً بـأن الروح البشرية تتكون من جزئين روح دنيا غير عقلانيه وروح أعلى عقلانية (العقل) ويمكن اعتبار كلاهما القوى المختلفة من روح واحدة. ويؤمن الأفلاطونيون أن الروح تمتلك “مركبة”تكون مسؤولة عن خلود النفس البشرية والسماح بعودتها للواحد بعد الموت، فبعد الموت الجسدي تستغرق الروح فترة في الحياة الآخرى حتى تنسجم فيها مع الحياة التي عاشتها قبل الممات فالأفلاطونيون يؤمنون بمبدأ التجسد الجديد أو التناسخ بالرغم من اعتقادهم أن الروح البشرية النقية والتقية تسكن السماوات العليا إلا أن الروح الغير طاهرة يجب أن تنقى أولا قبل التمثل في جسد جديد. ومن الممكن أن تتجسد روحه على هيئة حيوان. ويعتقد الأفلاطونيون أن الروح قد تكون في جسد جديد في إنسان آخر أو حتى نوع مختلف من الحيوانات.ولكن بورفيري عارض هذه المعتقدات فهو يؤمن أنه بدلاً من ذلك فإن الروح تعود لصاحبها فيتحقق الإتحاد مع الروح الكونية الشاملة، أنها لا تنتقل مرة آخرى أو على الأقل ليس في الفترة هذه من العالم.

لوغوس

فسر مصطلح “لوغوس” باشكال مختلف في الأفلاطونية الحديثة. ويشير أفلاطون إلى طاليس في تفسير لوغوس كمبدأ التأمل، حيث العلاقة المتبادلة بين الأقانيم (آي النفس، الروح والواحد). يقدم القديس يوحنا العلاقة بين “اللوغوس” والابن المسيح ضفي حين يدعو القديس بولس أنه “ابن”، “صورة” و”نموذج”. بينما فرق فكتورينس بشكل متباين اللوغس في داخلية الله واللوغوس المتعلق بالعالم من خلال الخلق والخلاص أو النجاة.

أعاد أوغسطين تفسير نظريات أرسطو وأفلاطون. في ضوء الفكر المسيحي المبكر وفي كتاب “الاعترافات” وصف اللوغوس بالكلمة السماوية الخالدة وشعار أوغسطين “أخذت على الجسد” في المسيح وهواللوغوس الذي كان يمثله دون غيره من البشر. وقد أثّر في الفكر المسيحي في جميع أنحاء العالم الهلنستي وأثر بشدة في الفلسفة المسيحية المبكرة للعصور الوسطى وربما كان موضوعها الرئيسي هي اللوغوس هذه.                                                                                                            بعد آفلاطون (بحوالي ٢٠٥-٢٧٠ بعد الميلاد) وتلميذه فرفريوس (حوالي ٢٣٢-٣٠٩ بعد الميلاد) إتجهت أعمال أرسطو (غير الحيوية) إلى منهج الفكر الأفلاطوني وتعتبر مقدمة فرفريوس في كتابه “إيساغوجي” لتصنيفات أرسطو مهمة كمقدمة لعلم المنطق. وأصبحت كذلك دراسة لأرسطو مقدمة لدراسة أفلاطون في أواخر الأفلاطونيه في آثينيا وكذلك الإسكندريه. ويتلمس المعلقون في هذه المجموعة إلى موافقة أفلاطون وأرسطو وبعض الأحيان ستوا وقد نسبت بعض الأعمال في الأفلاطونية الحديثة إلى أفلاطون وآرسطو ومثال على ذلك دي موندو والتي يعتقد أنها ليست من أعمال أرسطو المزيفة ولايزال ذلك موضع نقاش.

فلاسفة الأفلوطينية الحديثة

أمونيوس السقاص (تاريخ الميلاد غير معروف وتاريخ الوفاة حوالي 265 ميلادي: باليونانية Ἀμμώνιος Σακκᾶς) هو أحد مؤسسي الأفلاطونية الحديثة وهو أيضاً معلّم أفلاطون. يُعرف القليل عن أمونيوس السقاص غير أن كلاً من المسيحيين (انظر يوسابيوس، وجيروم وأوريجانوس) والوثنيين (انظر فرفوريوس وأفلاطون) اعتبروه أحد دُعاة ومؤسسي نظام الأفلاطونية الحديثة. بيّن فرفوريوس في كتابه “نحو مدرسة موحدة لأفلاطون وأرسطو” وجهة نظر أمونيوس التي تقول بانسجام فلسفتي أفلاطون وأرسطو. واعتبره كل من يوسابيوس وجيروم مسيحياً حتى وفاته، في حين ادعى فرفوريوس بارتداده عن المسيحية واعتناقه للفلسفة الوثنية.

 أفلاطون

أفلاطون (باليونانية: Πλωτῖνος ولد حوالي 205م وتوفي في270م) وهو فيلسوف إغريقي- مصري شهير من العالم القديم ويُعتبر أبو الأفلاطونية الحديثة. تأتي مُعظم معلوماتنا عن سيرته الذاتية من مقدمة فرفوريوس في نسخته من سماقيات أفلوطين. وبينما كان أفلوطين متأثراً بالتعاليم اليونانية والفارسية والفلسفة الهندية واللاهوتية المصرية التقليدية ألهمت كتاباته الميتافيزيقية المُتأخرة شريحةً كبيرة من الميتافيزيقيين والصوفيين المسيحيين واليهود والمسلمين والغنوصيين على مر القرون. اعتقد أفلوطين بوجود الواحد المُتعالي والمُتفوق الذي لايعرف القِسمة أو التعددية أو التمييز ويتخطى كذلك جميع فئات الوجود وعدم الوجود. اشتق البشر مفهوم “الوجود” من مادّة التجربة الإنسانية وهي سمة من سماتها ولكن الواحد المتعالي المُطلق الحدود يفوق هذه المادة وبالتالي يتخطى المفاهيم التي اشتقت منها ولا يمكن أن يكون الواحد شيء موجود ولا مجرد مجموع هذه الاشياء (قارن بين مذهب الرواقية بعدم الإيمان في الوجود الغير مادي) ولكنه سابق لكل موجود.

صورة ذات صلة
 فرفريوس الصوري 

 بورفيري                                                                        كان فرفريوس الصوري (233 ب.م. – 309 ب.م.) أو بورفيري (بالإغريقيه: Πορφύριος) ، فيلسوف الأفلاطونية الحديثة. كتب كثيراً في علم التنجيم، الدين، الفلسفة والنظريات الموسيقية وهو الذي قدم السيرة الذاتية لمعلمه. قال: “إنه مهم في تاريخ الرياضيات بسبب كتابه حياة فيثاغورس وأيضاً تعليقه على عناصر إقليدس بابوس التي استخدمها عند كتابة تعليقاته الخاصة”  المعروف أيضاً بأنه معارض للمسيحية ومدافع عن الوثنية كتبها في 15 كتاباً، لم يبقى منها سوى أجزاء. ومن مقولته المشهورة “أعلنت الالهة أن المسيح هو تقي، لكن المسيحين هم فئة ضائعة وقمة الفساد”.

امبيلكوس

وهو المعروف أيضا بـ امبيلكوس الكلدوني، وهو فيلسوف سوري في الأفلاطونية الحديثة الذي حدد الوِجه التي اتخذتها الفلسفة الأفلاطونية الحديثة في وقت لاحق وربما الأديان الفلسفية الغربية نفسها. ربما كان أفضل المعروفين بالخلاصة الوافية التي كتبها بشأن فلسفة فيثاغورس. ففي نظام امبليكوس عالم الآلهة امتد من الأصل الواحد وصولا إلى طبيعة المواد في حد ذاتها، حيث أن الروح في الواقع انحدرت في هذه المسألة وأصبحت مجسدة كالبشر تماماً. وأن هذا العالم مأهول من قبل حشد من الكائنات الخارقة التي تؤثر على الأحداث الطبيعية والعمليات وإتصال المعرفة في المستقبل والذين يمكنهم جميعاً الوصول إليها في الصلوات وقرابين الخلاص أو وسيلة الإنقاذ. كان هدف امبيلكوس النهائي وكانت الروح المجسدة تعود إلى الإله عن طريق آداء بعض الشعائر المعينة يقصد بها حرفياً العمل الإلهي.

هيباتيا الاسكندرانيه

هي امراءة اغريقية (360 م – 415 م) خدمة كرئيسة المدرسة الافلاطونية في الاسكندرية حيث درست الفلسفة وعلم الفلك قبل مقتلها من قبل حشد مسيحي غوغائي مناهض للوثنيين.

برقلس   

بروكلس ليكايوس (8 فبراير 412 – 17 ابريل 485) الملقب “بالخليفة” أو “ديادوكوس” (باليونانية ος ὁ Διάδοχος Próklos ho Diádokhos) كان فيلسوف يوناني متخصص في الأفلاطونية الحديثة وواحد من أواخر الفلاسفة اليونانيين الرئيسيين. وضع أحد أدق وأعقد وأطور الأنظمة الأفلاطونية الحديثة. اتسم نظام بروكلس بسمة مميزة وهي إدراج ما دعاه بـ (الهينادس) بين الون نفسه والذكاء الإلهي وهو المبدأ الثاني.

والهينادس تتجاوز الوجود مثل الون نفسه ولكنها على رأس السلاسل السببية (سيراي أو تاكسيز) وبطريقة ما فإنها تعطيها صفتها المميزة. كما قد تستخدم كلمة هينادس للإشارة إلى الآلهة الإغريقية التقليدية فمثلاً قد تكون أحد الهينادس هي الإله أبولو وبنفس الوقت المسؤولة عن كل ما يحدث ويعد من أفعال الإله أبولو بينما قد تعتبر هينادس الإله الأخرى هيليوس وبنفس الوقت مسؤولة عن كل الأشياء المتعلقة بالشمس والهينادس تخدم سببين هما حماية ألوان نفسه من التعددية وجذب الكون كله باتجاه الألوان، بكونه حلقة وصل أو وسيط بين التوحيد التام والتعددية الحاسمة.

الإمبراطور جوليان

جوليان (ولد 331م. – توفي 26 يونيو 363م.)، كان إمبراطوراً رومانياًّ (من 361م وحتى 363م) من السلالة الحاكمة للقسطنطينية وهو آخر إمبراطور روماني وثني. حاول أن يغير ويطور العبادة الوثنية التقليدية بتوحيد العبادة الهيلينية في الإمبراطورية الرومانية بالشكل الأفلاطوني الحديث الذي طوّر بواسطة أيامبليكس. سعى لفعل ذلك بعد السماح للدين المسيحي وانتشاره على نطاق واسع في شرق الإمبراطورية الرومانية وعلى نطاق محدود في غرب الإمبراطورية.

سمبليكيوس

سمبليكيوس من قيليقيا (530م.) وهو من تلاميذ دامسكيوس ولم يكن معروفاٌ كمفكر أصيل ولكنه تميز بذكاء ملاحظاته وثراء تفكيره.وكانت ملاحظاته ذات قيمة كبيرة للتلامذة الإغريق وذلك لاحتوائها على آراء كثيرة من الفلاسفة القدماء والمحدثين.

مايكل سيلوس

مايكل سيلوس(1018م. -1078م.)، وهو راهب بيزنطي وكاتب وفيلسوف وسياسي ومؤرخ وقد كتب العديد من الأطروحات الفلسفية، كان مفكراٌ نموذجياً وكتب معظم فلسفته خلال فترة توليه منصب سياسي في محكمة في القسطنطينية بين عامي 1030م. و4010م.

جيميستوس بليتو

جيمستوس بليتو (1355م. -1452م. ، (باليونانية: Πλήθων Γεμιστός)) وهو العالم البارز الذي استمر في الفلسفة الأفلاطونية الحديثة في أواخر الإمبراطورية البيزنطية وأدخل فهمه وتبصره في أعماله بالأفلاطونية الحديثة خلال محاولة فاشلة للإصلاح بين الإنشقاق العظيم في مجمع فلورنسا وقد التقى بليتو بكوزيمو دي ميديشي في فلورنسا وأثّر على قراره الأخير بتأسيس أكاديمية أفلاطونية جديدة هناك وعين كوزيمو لاحقاً مارسيليو فيسينو رئيساً على الأكاديمية وهو الذي شرع في ترجمة جميع أعمال أفلاطون وأعمال التُساعي أفلاطون وأعمال مختلفة لفلاسفة الأفلاطونية الحديثة وذلك إلى اللغة اللاتينية.

المسيحية المبكرة والأفلاطونية الحديثة عبر القرون الوسطى

عملت مبادئ رئيسية معينة في الأفلاطونية المحدثة كفترة فلسفية مؤقتة للعالم اللاهوتي المسيحي القديس أوغسطين وذلك في فترة انتقاله من المانوية الثنوية إلى المسيحية وكرجل مانوي فقد أصرعلى فكرة أن الشر كائن جوهري وأن الإله مخلوق من المادة وعندما أصبح أفلاطونيًا محدثًا قد غير نظرته لهذه الأشياء وكأفلاطونياً محدثاً وبعد ذلك مسيحياً فقد آمن أن الشر هو فقدان للخير وأن الإله ليس مادة وظلت مسيحية أوغسطين ممزوجة بالأفلاطونية المحدثة عند كتابة مقالته “على الدين الصحيح” وذلك بعد عدة سنوات من معموديته الـ 387.                                                                                                      تأثر العديد من المسيحيين بالأفلاطونية الحديثة وخاصة في تشبيههم الإله الأفلاطوني بيـهوة (إله اليهود) ويُعد أوريجانوس أكثر المسيحيين تأثراً بذلك حيث تتلمذ على يد أموينوس السقاص وكاتب القرن الخامس المعروف بـ بسيدو ديونيسيوس الأريوباغي وقد قام جون سكوتس بترجمة أعمال وكتب بسيدو للغرب في القرن التاسع كما ثبُتت تلك الكتب والأعمال في الأرثوذكسية الشرقية والمذاهب المسيحية الغربية وقد رُبطت الأفلوطونية بالغنوسطية والتي عارض أفلاطون أفكارها بشدة في رسالته التاسعة في المجموعة الثانية من مجموعته التاسوعية وقد وضح فيها بأنه ضد من يدّعي أن” صانع العالم شرير وأن العالم نفسه شر” وعموماً ضد الغنوسطيين.                                                                                             لقد رفض الأفلاطونيون الحداثيون ما تقوم به الطائفة الغوسطية من تشوية للفكر والفهم الأفلاطوني عن الإله خالق الكون والتي ذكرت في أحد تعاليم أفلاطون وذلك لارتباط معتقدهم بتعاليم أفلاطون. وتعتبر الأفلاطونية الحديثة فلسفة أرثوذكسية أفلاطونية وفقا لما بينه مجموعة من العلماء أمثال الدكتور جون تورنر ومن أسباب الأخذ بهذا الرأي هو محاولات مؤسس هذه الفلسفة أفلاطون التخلي عن بعض تعاليم أفلاطون القديمة المخالفة للفكر الأرثوذكسي والتي كتبت في تاسوعات أفلاطون لقد اعتقد أفلاطون أن اتباع الطائفة الغوسطية قد قاموا بتحريف تعاليم أفلاطون الأصلية.                                                        برغم تأثير هذه الفلسفة الوثنية على المسيحية فقد ضر جستينيان الأول الأفلاطونية الحديثة لاحقا عندما أمر بإغلاق مدرسة أثينا. واستمرت الأفلاطونية الحديثة بعد الإغلاق والدراسات الفلسفية الدنيوية في المدرسة الممولة من القطاع العام في الإسكندرية وفي بدايات القرن السابع الميلادي، جلب ستيفانوس أحد أتباع الأفلاطونية الحديثة التقليد الإسكندراني للقسطنطينية حيث بقي مؤثرًا وإن كان يُعد كنوع من التعليم الدنيوي. حافظت الجامعة على كونها مزيج حي من التقاليد الأفلاطونية والأرسطية، مع كونها أطول مدرسة أفلاطونية بقاءً حيث بقيت لما يقارب الألفي عام حتى القرن الخامس عشر الميلادي وأثرت أفكار الأفلاطونية الحديثة في القرون الوسطى على المفكرين اليهود كالقبلاني إسحاق بلايند والفيلسوف الأفلاطوني اليهودي سلمان ابن جابيرول والذين عدلا فيها لتناسب إيمانهم بتوحيد العبادة لله كما أثرت أفكار الأفلاطونية الحديثة على المفكرين المسلمين والصوفيين كالفارابي وابن سينا استمرت الأفلاطونية الحديثة في الكنيسة المسيحية الشرقية باعتبارها تقليد مستقل وأعادها بليثون للكنيسة الغربية.

الأفلاطونية الإسلامية الحديثة

“إن أفلاطون وأرسطو بالنسبة للمسلمين هم جزء من التراث الإسلامي بالطريقة نفسها التي يُنظر فيها إلى النبي إبراهيم على أنه نبي الإسلام فقد استفاد العلماء والفلاسفة العرب من أعمال أفلاطون وأرسطو و أفلاطون وغيرهم من فلاسفة الأفلاطونية الحديثة لتقييم الأفلاطونية الحديثة وتقديرها وتكييفها في نهاية المطاف لتتوافق مع الحدود السماوية للإسلام. وقد قرأ العلماء العرب كغيرهم من مفكري الأفلاطونية الحديثة السابقين أعمال أفلاطون وفسروها فلسفيًا كما أنهم توصلوا إلى أسئلة واستنتاجات مماثلة. وقد كان لترجمة مفكري الأفلاطونية الحديثة الإسلامية وتفسيراتهم آثارًا دائمة على فلاسفة الغرب مؤثرة بذلك على وجهة نظر ديكارت فيما يتعلق بمفهوم الوجود. ومن الشخصيات المهمة التي ترجمت الأفلاطونية الحديثة الإسلامية وشكَّلتها ابن سينا والغزالي والكندي والفارابي والحمصي.                                  هناك ثلاثة أسباب رئيسية لظهور العوامل المؤثرة للأفلاطونية الحديثة في العالم الإسلامي:               توافر نصوص الأفلاطونية الحديثة: الترجمات العربية وإعادة صياغة نصوص مؤلفات الأفلاطونية الحديثة كانت متيسرة بشكل كبير للعلماء المسلمين بفضل توفر المخطوطات اليونانية في هذا الجانب لبقاء الكثير من فلاسفة الإغريق تحت الحكم الساساني لملوك الفرس قبل بزوغ فجر الإسلام.

  1. القرب الزماني والمكاني: فقد عاش أفلاطون و الأفلاطونيين الجدد الآخرين لبضع قرون فقط قبل ظهور الإسلام وكان الكثير منهم من الإغريق المصريين.
  2. وجهات نظر الأفلاطونية الحديثة الصوفية: طريقة أفلاطون لها محتوى مشابه للباطنية الإسلامية مثل التصوف الإسلامي مما سهل قبول وفهم تعاليم الأفلاطونية الحديثة عن طريق الفلاسفة الإسلاميين.

تختلف الأفلاطونية المحدثة فى نسختها الاسلامية عن الأفلاطونية المحدثة التقليدية لإحتوائها على التوحيد الإسلامى. والنقطة البارزة فى ذلك السياق هى تغيير تعاريف الوحدانية والأصل الأول. وما غير الأفلاطونية المحدثة سوى أن الأصل الأول مجاوز للمادة. وقد قام الفلاسفة المسلمون بتغير صفات الوحدانية إلى تلك الصفات المنسوبة للإله المذكور فى القرآن. وبنسبة صفة الأصل الأول للإله فقد قاموا بتبديل التعريف لكي يتناسب مع تعريف الإله كما قرره القرآن. وصف الفلاسفة الإله بأنه منزه عن القوالب الأفلاطونية ويتصف بالإحاطة علمًا بكل شيء.

تم تبديل فكرة الحكمة الإلهية في النسخة الإسلامية للأفلاطونية المحدثة وتمت نسبتها للإله مرة أخرى. ولم يكن أفلاطون يؤمن بفكرة التصميم الحكيم للكون بواسطة كيان قادر على كل شيء. تبنى الفلاسفة المسلمون فكرة الحكمة الإلهية لتعزيز ما ورد فى القرأن من حيث أن الإله كيان متجاوز للمادة، يعلم كل شيء ولا يبدله شيء من أعمال خلقه. لم تقدّم الترجمات التي قامت بالتحري عن المعتقدات المعنيّة بدراسة الإله في الأفلاطونية المحدثة أي تعديل جوهري على المصادر اليونانية الأصلية التي تظهر تحولًا عقائدي نحو التوحيد

ظهر الجانب الأكبر من موضوعات الأفلاطونية المحدثة في الكتابات الدينية الصوفية، والتي حولت في الواقع العقائد التقليدية الخالصة مثل خلق الكون إلى عقيدة مثل الفيض. والتي سمحت بأن يتم التعبير في إطار أفضل عن الموضوعات الأفلاطونية المحدثة وظهور موضوعات الصعود والوحدة في التصوف. وقد استخدم الفلاسفة المسلمون إطار التصوف الإسلامي في تفسير مفاهيم وكتابات الأفلاطونية المحدثة، وقد أعطى بارفيز مورويدج أربع افتراضات عن طبيعة التصوف الإسلامي:

  • وحدة الوجود: وحدة موروثة كامنة بين كل أبعاد تجارب العالم.
  • عنصر الوسيط: الوساطة بين الإنسان الفاني والخلود الأبدي.
  • طريق الخلاص: تكمن المعرفة في طريق إدراك الذات” مرورًا بالتجارب التي تطور المرء خلال مراحل، وصولاً بمرحلة السمو.
  • لغة المجاز الرمزي: الكتابات الصوفية تكون مكتوبة غالباً بلغة الحكايات المجازية.

الأفلاطونية في عصر النهضة في إيطاليا

عُرف الأفلاطونيون المحدثون على أنهم من أشهر الطلاب اليونانيين في عصر النهضة في إيطاليا ممن يدرسون في فلورنسا وضواحيها”. لم تكن الأفلاطونية الحديثة مجرد إحياء لأفكار أفلاطون بل هي قائمة على توليفة محدثة لأفلاطون تم فيها إدراج أعماله وتعاليمه بالإضافة إلى أعمال أرسطو وفيثاغورس وآخرين من فلاسفة اليونان. لقد كان عصر النهضة في إيطاليا إحياءً للعصور القديمة الكلاسيكية والتي بدأت فور سقوط الإمبراطورية البيزنطية التي كانت تعد آنذاك “أمناء المكتبات في العالم” بسبب مجموعاتهم العظيمة من المخطوطات الكلاسيكية وعددًا من العلماء الإنسانيين الذين نشأوا في القسطنطينة. الأفلاطونية الحديثة في عصر النهضة تجمع بين أفكار المسيحية وإدراكًا جديدًا لكتابات افلاطون.

مارسيلو فيتشينو (1433-1499م) كان صاحب الفضل في تأسيس وتقديم “أفلاطون” إلى عصر النهضة، (هول). وفي عام 1462م، قام “كوزيمو دي ميدِتشي الأول”، والذي كان راعيًا ومناصرًا للفنون وأحد المهتمين أيضاً بالإنسانيّة والأفلاطونيّة، بتقديم “فيتشينو” بالإضافة إلى تجهيز 36 من حوارات “أفلاطون” اليونانية للترجمة ففي الفترة مابين عاميّ 1462م و1469م ترجم “فيتشينو” تلك الأعمال إلى اللاتينية، فسهّل بذلك إمكانية الوصول إليها والإستفادة منها لقلة عدد قراء اليونانية ذلك الوقت. ثم في الفترة من 1484م إلى 1492م أُتيحت أعمال أفلاطون في الغرب للمرة الأولى من خلال ترجمتهـا لهم.

كان جيوفاني بيكو ديلا ميراندولا (1463–1494) أفلاطونياً حديثاً متفوقاً خلال النهضة الإيطالية، هو لم يكن باستطاعته التحدث والكتابة باللاتينية والإغريقية فحسب بل حظي بالمعرفة الهائلة باللغتين العبرية والعربية، وقد حظر بابا الفاتيكان أعماله حيث كان يُنظر إليها على أنها مُنشقة على عكس فيكينو الذي تمكن من البقاء في الجانب الصحيح من الكنيسة. وقد جهد كل من فيكينو وبيكو لمعرفة المذاهب الأفلاطونية والمحكمة في تعاليم الكنيسة الكاثولوكية الرومانية التي تم تقييمها مؤخراً من خلال محاولة “الإصلاح المحكم”.

جماعة الأفلاطونيين 

في القرن السابع عشر في انجلترا كانت الأفلاطونية الحديثة أساسية لمدرسة جماعة الأفلاطونيين بكامبريدج وكان من أشخاصها اللامعين: هنري مور، رالف كدوورث، بنجامين ويشكوت وجون سميث وكانوا جميعهم من خريجي جامعة كامبريدج ولكن صامويل كولريدج زعم بأنهم في الحقيقة ليسوا أفلاطونيين ولكنهم “واقعاً أفلوطينيين”: ” أفلاطون إلهيين”، كما سماهم هنري مور. فيما بعد أصبح توماس تايلور (وهو ليس من جماعة الأفلاطونيين بكامبريدج) أول من قام بترجمة أعمال أفلوطين إلى اللغة الإنجليزية.

الأفلاطونية المحدثة المعاصرة

حقائق ظاهرة وحقائق خفية: جين جيبسر في منظور تاريخي ثقافي”، يزعم الفيلسوف ألان كومز أن عشرة مفكرين حديثين يمكن تسميتهم أفلاطونيين حديثين: غوته، شيلر شيلينج، هيغل كولريدج، إمرسون، رودلف شتاينر، كارل يونغ، جين جيسبر والنظري الحديث برايان قودوين. هو يرى أن هؤلاء المفكرين مشاركين في تقليد يمكن تمييزه من التجريبي والثقافات الفلسفية المادية الغربية.

حول فلسفة الرياضيات، وفي أوائل القرن العشرين جدد الفيلسوف الألماني جوتلوب فريجه اهتمامه بنظرية أفلاطون حول الأجسام الرياضية (وغيرها من الأجسام المجردة بشكل عام)، ومنذ ذلك الحين قام عدد من الفلاسفة، مثل: كريسبن رايت وبوب هال بالدفاع عن التفسير الأفلاطوني الجديد للرياضيات وتطويره.

ذكر البعض أن الشاعر الأمريكي عزرا باوند يُعتبر من أتباع الأفلاطونية الحديثة بالرغم من انطلاقه من وجهة نظر كونفوشية نتيجة لإعجابه الشديد بأفلاطون وكتاباته حول الدين والفلسفة. أما من الناحية الدينية، فقد كان يصف نفسه أمام العموم بأنه وثني هيليني.

ومن الأفلاطونيين الجدد المشهورين توماس تايلور الذي يعرف بـ”الأفلاطوني الإنجليزي” والذي أسهب في الكتابة عن الأفلاطونية وترجم تقريباً كامل أعمال أفلاطون والمنهج الأفلاطوني إلى الإنجليزية ومنهم أيضاً الكاتبة البلجيكية سوزان لايلار.

هيباتيا died

هيباتيا ( 355 م _415 م )  (باليونانية: Υπατία) عالمة (رياضيات _ فلك )   عاشت في عصر مضطرب جدا في تاريخ الإسكندرية. وهي أقدم علماء رياضيات من حياتهن وعمل المعرفة المفصلة بشكل معقول.    فيلسوفة تخصصت في … حياة العقللأتباع أفلوطين كان الهدف منها الاتحاد مع الصوفية الإلهية. عاشت هيباتيا في مصر الرومانية،                                                 كانت هيباتيا ابنة ثيون الاسكندرية وهو نفسه عالم رياضيات وفلك وآخر عضو مؤكد في المتحف الكسندري. يتذكر ثيون على أفضل وجه للجزء الذي لعبه في الحفاظ على عناصر إقليدس، لكنه كتب أيضا على نطاق واسع، وعلق على ألماجيست بطليموس والجداول هاندي. استمرت هيباتيا برنامجه الذي كان في الأساس جهدا حازما للحفاظ على التراث الرياضي والفلكي اليوناني في أوقات صعبة للغاية. تنسب إليها تعليقات على أبولونيوس من المخروطات بيرغا (الهندسة) و ديوفانتوس من الحسابية الإسكندرية (العددية) فضلا عن جدول الفلكية .  

هيباتيا كما رسمها رافاييل.
هيباتيا كما رسمها رافاييل

وزاد الأمر سوءا أن الأسقف دخل في صراع مع اليهود الموجودين بالمدينة، وسعي جاهداً لإخراجهم منها، ونجح في ذلك إلى حد كبير وذلك بمساعدة أعداد كبيرة من الرهبان، الذين شكلوا ما يمكن تسميته (بجيش الكنيسة)، ولم يكن باستطاعة الوالي التصدي لهذه الفوضى، بل وتعرض بدوره للإهانة من جانب بعض الرهبان الذين قاموا بقذفه بالحجارة، بعد أن علموا بالتقرير الذي أرسله للإمبراطور متضمناً الفوضى التي جرت بالإسكندرية جراء اشتباكاتهم مع اليهود، ومن ثم تأزمت العلاقة بين جمهور المسيحيين وبين الوالي أوريستوس رغم أنه كان مسيحياً أيضا، وسرت الشائعات في المدينة أن سبب هذا العداء بين رجلي الإسكندرية يعود إلى هيباتيا وتأثيرها على حاكم المدينة، وهذا لم يكن يعني حسب اعتقادهم أن المدينة لن تعرف الهدوء إلا بالخلاص منها.                                                              كان مقتلها مأساويا على يد جموع من الوثنيين التي تتبعتها عقب رجوعها لبيتها بعد إحدى ندواتها حيث قاموا بجرها من شعرها، ثم قاموا بنزع ملابسها وجرها عارية تماما بحبل ملفوف على يدها في شوارع الإسكندرية حتى تسلخ جلدها ثم إمعانا في تعذيبها قاموا بسلخ الباقي من جلدها بالأصداف إلى أن صارت جثة هامدة ثم ألقوها فوق كومة من الأخشاب وأشعلوا بها النيران.

امنحتب الأول

عند وفاة أحمس الأول أصبحت أحمس نفرتارى الوصي لابنها امنحوتب الأول حتى تمكن من بلوغ السن وان يصعد إلى العرش ومن المعروف انها كانت لا تزال على قيد الحياة خلال السنة الأولى من عهد تحتمس الأول وهكذا يبدو أنها كانت لا تزال على قيد الحياة بعد ابنها أمنحوتب الأول.

بعد توليه الحكم مباشرة قام بالدفاع عن حدود مصر الغربية حيث أنتهز الليبيين فرصة وفاة أحمس لغزو الدلتا فتوجه اليهم أمنحتب على رأس جيشه وهزم الليبيين وحلفائهم. 

 إتجه بعد ذلك امنحتب الأول بجيشه إلى النوبة لظهور التمرد والعصيان بها وأستطاع تأمين حدود مصر الجنوبية والقضاء على العصيان، وقام بعدة حروب في آسيا.

وأهتم امنحتب بالشئون الداخلية للبلاد ووجه إليها جهوده، وتميز عصره بالأستقرار والرخاء، وأصدر قانونا بمنع السخرة وبوضع المعايير العادلة للأجور والحوافز.

الإمبراطورية المصرية

 امنحتب الاول
أمنحتب الأول وزوجته الملكة أحمس-نفرتاري.

استعاد أحمس الأول صلات مصر بتجارة الشمال والجنوب أي تجارة أهل الشام وكريت ثم تجارة بلاد النوبة واستقرت أحوال مصر في عهد امنحوتب الأول وخرج على رأس جيشه إلى ما وراء الحدود المصرية في الشمال والجنوب والغرب فقد قام بثلاثة حملات إلى النوبة بحيث توغل في الجنوب حتى وصل إلى الشلال الثالث للنيل لتوسيع حدود مصر إلى هناك وإلى الشمال قام بحملات إلى سوريا وفلسطين وفي الغرب قام بحملة ضد الليبيين

آثاره

كان أمنحتب مهتما بالفن والعمارة وقد بدأ في بناء معبد في الكرنك وأبيدوس وله العديد من الآثار في مصر العليا في الفنتين وكوم أمبو والكاب (تقع على مسافة 83 كم جنوب الأقصر على الشاطئ الأيمن للنيل وكانت مركزا دينيا هاما وعاصمة الإقليم الثالث في مصر العليا)، وشيد معبدا تكريما لوالده أحمس الأول في العربة المدفونة، وله آثار بالقرب من جبل سلسلة بين الأقصر وأسوان وكان أمنحتب أول من قام بفصل المعبد الجنائزى عن القبر وذلك لحماية قبره من اللصوص والمخربين، وقد اعتبر امنحتب وأمه نفرتارى إلهين لجبانة طيبة.

عائلته

تزوج أمنحتب الأول من اثنين من شقيقاته هما إعح حتب وأحمس مريت آمون وانجبت له الأولى ابنه امنمحات الذي مات في طفولته وتوفى امنحتب ولم يكن له وريث للعرش.

مومياؤه

وجدت مقبرة هذا الملك في وادي الملوك حيث دفن في دراع أبو النجا في أقدم قبر ملكى في طيبة ولكن تم نقل مومياؤه إلى خبيئة بالدير البحري في عصر الأسرة الواحدة والعشرين

امنحوتب_الأول  
#الأسرة_الثامنة_عشر

1525 ق.م. حتى 1504 ق.م.

#مصر_القديمة

#الفراعنة

مدينة آشير

 تقع في سفح جبل التيطري فوق سهل أو ربوة تطل على بلدية الكاف الأخضر بالجنوب الشرقي لولاية المدية ناحية شلالة العذاورة وتبعد عنها بمسافة 100 كم غربا على الطريق الوطني رقم 60 (شلالة العذاورة – قصر البخاري). جنوب شرق الجزائر العاصمة وتبعد عنها بحوالي 150 كلم. وتقع بمحاذاة جبل التيطري (الكاف الأخضر) الذي يبلغ ارتفاعه حوالي 1400 م عن مستوى سطح البحر.

يرجع فضل تأسيسها إلى زيري بن مناد الصنهاجي في 324هـ/936م ووقع اختيار مكانها لوفرة المياه وإطلالها على سفوح الجبال الدائرة بها، زارها رحالة وعلماء أجلاء كما كانت الحياة العلمية فيها رائجة جلبت لها أشهر البنائين من إفريقيا والمسيلة. كما شيدت بها القصوروالإقامات والحمامات نذكر منها قصر بنت السلطان الذي ما زالت بعض أطلاله شاهدة عليه. أجريت بها حفريات من 1950 إلى 19933 كشف النقاب عن كثير من الأسرار. وهي لحد الساعة موجودة اطلالها ومحروسة لكنها دون بحث أو اهتمام من طرف المختصين. وقد بنيت هذه المدينة قبل أن تبنى المدن الثلاث العاصمة ومليانة والمدية لان مؤسس العاصمة انطلق من اشيرليقيم العاصمة الحالية (جزائر بني مزغنة) واخوه توجه إلى بجاية ليؤسس مدينة بجاية.

ماعرفت به آشير من إستراتيجية الموقع وحصانتها الطبيعية وكونها نقطة وصل بين الشرق والغرب من إفريقيا إلى تيهرت وعلى الطريق التي تصل تلمسان بالأوراس.جعلها عاصمة إستراتيجية لكونها منطقة آهلة بالحركة لكن طبيعتها قاسية ومسالكها وعرة.

بلغت مدينة آشير خلال الحكم الزيري درجة الذروة في الازدهار العلمي والاجتماعي، جذبت العلماء من كل جهة وقصدها الشعراء والرحالة من كامل الأمصار، كما شهدت الحياة الدينية والروحية إشعاعا فائقا.

عززت منطقة آشير تطورها وازدهارها لتصبح مركز إشعاع في المغرب وبعد زوال الحكم الزيري في القرن الحادي عشر حلت محلها شعوب ودول أخرى منها: الهلاليون والمرابطون بقيادة يوسف بن تاشفين، ثم الحفصيون في القرن الثاني عشر تحت قيادة أبو زكريا الحفصي على رأس جيش كبير ومجهز قاصدا المنطقة.

يمكن ان ترى منها جبال شفه للشمال وجبل ديرة وجبل كاف آفول ومدينة الشلالة شرقا.

المدينة الأثرية آشير

تعد مدينة اشير من الحواضر التاريخية الهامة تستوجب الوقوف عندها لما لعبته من أدوار حضارية هامة ولعل الاثار المتبقية دليل على عمق واصالة المنطقة.

تقع مدينة أشير الأثرية بمنطقة الكاف الأخضر ناحية شلالة العذاورة ولاية المدية ،تم تأسيسها على يد زيري بن مناد عام 324/ه الموافق 939م.و يعود الفضل في تسليمه زمام مقاليد الحكم إلى الخليفة الفاطمي الذي سمح له بتدعيم سلطانه فوقع اختياره على مدينة اشير لتكون عاصمة مملكته التي كانت حصنا منيعا ومستودعا للعدة كما كانت تزخر بثروات هائلة.. اكتفى مؤسس الدولة الزيرية بمساحة قليلة في أعلى صخرة… ثم بدا يوسع مملكته شيئا فشيئا إلى أن بسط نفوده على مساحة فسيحة تفوق 35 هكتارا غير أن أغلب المؤرخين يؤكدون أن بناء مدينة أشير مر بمراحل ثلاث : اولها اختيار موقع وتلاه بناء الاسوار وفي المرحلة الثالثة والأخيرة شيدت فيها القصور والحمامات لتصبح مدينة اشير عاصمة مند القرن العاشر تدار فيها شؤون المغرب الأوسط من خلال قلعتها وحصنها المنيع ’ وفي هذا العهد امسك السلطان زيري زمام الحكم بيد من حديد وضربت السكة باسمه كما عرفت ذات الفترة…توافد العديد من الامراء الذين لم يفارقوها الا في فترة المتقطعة…. فمند اقامتهم لم تنقل عائلاتهم إلى مملكتهم دفعة واحدة بل تمت على مراحل والملاحظ ان منطقة اشير لم تعرف الثقافة والازدهار الاجتماعي طريقا لها في عهد زيري بن مناد عند بنائه لمدينة اشير الاثرية التي كانت حصنا منيعا وقفت بوجه الغزاة والاجانب الطامعين. كانت هناك حضارة مزدهرة في جميع المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية ميزت الرقعة الجغرافية ” الكاف الأخضر ” والتي تزخر بوجود الحفريات التي تعد خير شاهد على الازدهار فآثار القصر الزيري مازالت قائمة إلى يومنا هدا… خاصة وأن زيري حرص على نقل سكان مدن أخرى اليها واستقطب حتى الفنانين والبنائين من المدن المجاورة حيث احاطوها باسوار عريضة مما جعلها تمتاز بموقع جغرافي ممتاز تتحكم في جميع الطرق الرابطة بين السواحل والجبال وتراقب جل السهول ونظرا لعراقتها واصولها التاريخية وذكر اثارها في العديد من المؤلفات جاء ذكر تنقل سكان أمصار أخرى إلى مدينة أشير لتعميرها في كتاب ” العبر ” ابن خلدون ثم بلغه…أن زناته اجتمعوا في تلمسان فرحل اليهم فهربوا ونزل على المدينة فحاصرها حتى رضخ أهلها إلى حكمه ونقلهم إلى أشير التي اشتهرت بالفقهاء والعلماء من بينهم:أبو عمران الاشيري…. والحديث عن مكانة أشير تجرنا للحديث عن العلامة ابن خلدون الذي اختار احدى قلاعها للاقامة والتفرغ للتأليف كما نزل بها المهدي ابن تومرت أثناء عودته من ملالة إلى المغرب ونذكر على سبيل المثال: ابن حوقل والادريسي…و بقيت مدينة أشير قبلة العلماء والفقهاء لمدة… وفي اطار الاهتمام بالمعالم الأثرية تم تصنيف أشير كمعلم أثري حيث تم وضع سياج لحماية الاثار والقيام ببعض الترميمات.

  •  

     

آشير عاصمة بني زيري

يذكر ان يوسف بلكين بعد ذهاب الفاطميين من تونس وتاميرهم له على أفريقية أتاه الخبر عن تاهرت أن أهلها قد عصوا وخالفوا وأخرجوا عامله فرحل إلىتاهرت فقاتلها فظفر بأهلها ودمرها فأتاه الخبر بها أن زناتة قد نزلوا على تلمسان فرحل إليهم فهربوا منه وأقام على تلمسان فحصرها مدة ثم نزلوا على حكمه فعفا عنهم إلا أنه نقلهم إلى مدينة أشير فبنوا عندها مدينة سموها تلمسان‏..

جميع المباني التي تشكل القلعة التي بنيت في جميع الاحتمالات، في الوقت نفسه أن مدينتي أشير والبنية (بلدية الكاف الأخضر حاليا) والذين هم في نفس المنطقة.

أشير في الجهة الجنوبية من الكاف الأخضر والبنية جنوب اشير ولا تفصل المسافة بينهما سوى 500 م.

هذه الأخيرة تحتل المنحدرات إلى الشمال الغربي من جبل الكاف الأخضر الذي يشكل واسعة في هضبة تطل على وادي الحود.

في الماضي المدن الثلاث هي ذات صلة وربما لنفس الفترة.

وهي أنقاض (أشير) و(البنية) وتشهد هذه المدن التي كانت مزدهرة وعدد السكان والتقييم من السكان لا يمكن أن يتم على وجه الدقة إذا ما وضع في الاعتبار أن الأشخاص الذين كانوا تقتصر على داخل أسوار محصنة.

العديد من الخرائب وعزل المجموعة التي يتم العثور عليها في أنحاء الجدران داخل دائرة نصف قطرها عدة كيلومترات، وتبين أن هذه المدن والضواحي التي كانت تحيط بها المزارع والحدائق.

وتدعى القلعة المنزه بنت السلطان تحتل كامل أعلى قمة جبل صخري طفيفة في الضواحي بالأرض التي هي، تقريبا في جميع أنحاء المنطقة المحيطة، وعرة وغير سالكة.

على الحصول على بعض النقاط التي كان من الممكن تحصينات ملأت الفجوات التي تركت الطبيعة.

المنزه بنت السلطان الموجهة نحو الجنوب إلى الشمال، ويميل قليلا نحو الشرق من ارتفاع يبلغ نحو 1 300 م هو عمودي على الارتفاعات المتطاولة منالكاف الأخضر واضح عن الكتلة الرئيسية، وهي أعلى بنحو 1500 مترا في المتوسط.

موقفه بصراحة دفاعية يقودها تخفيضات كبيرة في الشمال والغرب والشرق، ولكنه أقل وضوحا في الجنوب.يمكن ان ترى منها جبال شفه للشمال وجبل ديرة وجبل كاف آفول ومدينة الشلالة شرقا.

وقد جاء ذكر هذه المدينة عند الجغرافيين القدامي، وممن ذكرها الحميري في كتابه الروض المعطار في خبر الأقطار، وجاءذكرها أيضا عند ابن فضل الله العمري في كتابه الكبير مسالك الأبصار في ممالك الأمصار وغيرهم من الرحالة والمؤرخين ،وقد كان بهذه المدينة أعلام كثر من جملتهم الإمام المحدث أبو محمد الأشيري أحد شيوخ مؤرخ دمشق ابن عساكر وكثيرًا مايروي عنه أخبار المغرب ومرويا في السنة وغيرها، وكانت أشير تابعة لأمويي الأندلس فكانت تتبع قرطبة وذلك زمن الناصر لدين الله خليفة الأندلس والمغرب الأوسط ،وكان زيري بن مناد يميل مع القوى الكبرى المتنفذة في ذلك الزمن العبيديون قبل تسميهم بالفاطميين أو أمويو الأندلس أهل السنة والجماعة وأصحاب المدرسة المالكية وقطب الرحى في الحضارة أما العبيديون فقد كانوا شيعة رافضة أذاقواالمغرب عموما ويلات الخراب والدمار ،جاء في كتاب العبر في أخبار من عبر عن محدث تونس والمغرب العلامة القابسي صاحب كتاب الملخص في شرح الموطأ وتلميذ أبي محمد بن زيد القيرواني وصاحبه أن بني العبيديين قتلوا في سنة واحدة من أعلام المغرب وتونس 4000عالم ومحدث بسب واحد وهو أن العبيديين منعوا الترضي عن صحابة رسول الله (ص)  فكان من شأن هؤلاء العلماء أن عارضوا العبيديين وترضوا جهارا نهارا على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلوهم.

إن مدينة أشير كان يمتد سلطانها على جميع المغرب الأوسط بل حتى المغرب الأقصى حتى أن فاس كانت تحت ملكهم يوما ما.

آشير تحت حكم الحماديين

استلم حماد ابن بلقين الحكم في أشير بعد أن قمع فتنة عام 391 هجري / 1000 ميلادي التي تزعمها خمسة من أخوته ضد ابن عمه باديس أمير إفريقية، وأخذ عهداً من ابن عمه “بعدم استعادة السلطة وإطلاق يده في امتلاك أشير والمغرب الأوسط وكل بلد يفتحه”. (عبد الرحمن ابن خلدون_ تاريخ البربر ). اغتنم حماد ابن بلقين فرصة الاستقلال هذه لكي يؤسس عاصمته: القلعة وفي الوقت نفسه السلالة الحمادية.

استخلف آل زيري بن مناد الصنهاجي عن العبيديين المغرب الذي كان يشعل نارا بالفتن الناشئة عن النزاع القائم بين العبيديين والأمويين، وما كادوا يتغلبون على الأمويين حتى بدأ الخلاف بينهم وبعد موت بولوغين تولى ابنه المنصور الحكم بدولته الزيرية وجعل حماد على رأس أشير والمسيلة) (حتى يرد هذا الأخير قبيلة زناته المتحالفة مع الأمويين. بعد موت المنصور خلفه ابنه باديس الذي أبقى عمه حماد في عمله وأفراده فيه عام 387هـ، وكان باديس يستقدم عمه حماد على صبره ليطفئ الثورات، وفي سنة 395هـ خلفه لمحاربة زناته واشترط عليه حماد ولاية المغرب الأوسط وكل ما يتم فتحه على يديه، فقبل الشرط، وفي سنة 398هـ يختط حماد مدينته الجديدة (القلعة) وكان ينزل بها وبأشير.                                                  هكذا ظل في المغرب الأوسط يقاتل زناته وينتصر عليها في أكثر من مرة فعظم صيته، وبلغ باديس فخشي أن يخرج عن طاعته وبعد تعيين المعز باديس 403هـ ولي للعهد لأبيه أراد المعز أن يختبر حماد فأرسل إليه بأن يتنازل له عن مدينة قسنطينة والمدن المجاورة لها فأبى حماد ذلك ودخل في حرب أسفرت في الأخير عن تأسيس الدولة الحمادية. كان آل زيري يبدون الولاء للعبيديين لكن الحقيقة كانت عكس ذلك وبدخول حماد قطع كل صلته معهم وادعى صراحة ولاءه لبني العباس. وإثر هذا جهز باديس الجيش لقتال حماد الذي استطاع الانتصار عليه، فخرج باديس شخصيا لقتال عمه حماد فانتصر عليه حتى حاصره في القلعة. وبينما كان حماد محاصراً، توفي باديس واستخلفه المعز، وسار المعز لقتال حماد سنة 408هـ وأخرجه من باغاي وجرح حماد واستطاع أن ينجو بنفسه.) ( مال حماد بعد هذه الواقعة إلى السلم وأرسل إلى المعز يعرض عليه طاعته فتم الصلح بينهما واستبقى المعز حماد على ملكه السابق. وابتداءً من 408هـ تفرعت صنهاجة إلى دولتين: الدولة الزيرية التي حكمت في أفريقية والدولة الحمادية التي تولت الحكم في المغرب الأوسط، هذا الوضع المتأزم والصراع الدائم على السلطة أدى إلى عقد اتفاقيات بين طرفي النزاع مما يؤكد أهمية الاحتماء، فسمح ذلك بإيجاد طرق دفاعية لحماية العاصمة الجديدة قلعة بني حماد.

يمكننا أن نتساءل لماذا لم تتخذ أشير كعاصمة للدولة الحمادية رغم ما عرفت به من إستراتيجية الموقع وحصانتها الطبيعية وكونها نقطة وصل بين الشرق والغرب من أفريقية إلى تيهرت وعلى الطريق التي تصل تلمسان بالأوراس.                                                                                                           فيمكن أن يكون إبعادها كعاصمة إستراتيجية يعود لكونها منطقة آهلة بالحركة ثم أن القبائل الرحل الآتية من الشرق تهددها باستمرار، والمدينة تطل على أراضي زناته إلى جانب أن أشير كانت عاصمة الزيريين، كل هذا جعل حماد في اعتقادنا يبادر بإنشاء عاصمة جديدة ليبرهن في ذلك على استقلاله التام. كما أن الموقع الجديد يقع في موطن صنهاجة وهو يعرفه جيدا بأن طبيعته قاسية ومسالكه وعرة ويكمن حمايته بسهولة وبإعداد قليلة من الجند كونه موقع محصن طبيعياً.

بعد وفاة باديس بويع ابنه المعز 454هـ/1062م) (كخليفة لوالده الذي واصل مشواره الحربي ضد حماد إذ بمجرد وفاة باديس، قام حماد بالزحف على أشير التي خرجت عن سيطرته وكان ذلك الوقت بها كرامة الوصي المؤقت على عرش أفريقية بعد وفاة باديس، حيث تفاجأ بحماد على رأس قوة تعدادها 1500 مقاتل وقد انتهت بهزيمة كرامة وعودته إلى القيروان.) وبعدها بعث حماد إلى باغاية أخاه إبراهيم ليلتقي بأيوب بن يطوفت ليحمل سلام حماد، ويعلن إليه أن ما حدث كان بقضاء الله (الحرب بينهما) وأنه وأخاه على طاعة المعز بن باديس وأخبره أن حماد يطلب الصلح منه، ويبعث له من يثق به من أجل أن يخلفه ويأخذ العهود المكتوبة ليطمئن، فصدقه أيوب وبعث معه أخاه حمامة وحبوس بن القائم بن حمامة وتبعهما غلام أيوب يورين، فغدر حماد بهم وجردهما من الثياب وألبسهم ثياب رثة وقتل غلام أيوب الذي كان عنده أعز من الولد.) ( ثم زحف حماد لمحاصرة باغاية فبلغ الخبر بذلك المعز فزحف إليه وسارع بالعساكر إلى حماد وقاتله حتى هزمه وقتل أصحابه وأسر أخاه إبراهيم) (سنة 408هـ/1017م.

ونتيجة لانهزام حماد وتفرق أصحابه عنه طلب الصلح من المعز، ولكن المعز اشترط عليه أن يبعث ابنه كضمان على صدق نواياه، فبعث حماد ابنه القائد عام408هـ/ 1017م فعقد له المعز الصلح واستقل حماد بذلك بعمل المسيلة وطبنة ومقرة ومرسى الدجاج وسوق حمزة وزواوة، وزاد النويري عليها مدينة دكة. وهكذا انتهت الحرب بينهما وانقسمت صنهاجة إلى دولتين: دولة آل زيري ودولة بني حماد ملوك القلعة. وهكذا نعتبر تاريخ 408هـ/1017م هو التاريخ الفعلي لتأسيس قلعة بني حماد بعد الاعتراف الزيري بها.

أبو الفتوح بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي

 أبو الفتوح سيف الدولة بلكين بن زيري الصنهاجي يعد مؤسس الدولة الزيرية بالجزائر كانت عاصمة الدولة بمدينة أشير وسط الجزائر ثم تولى حكم جميع المغرب الإسلامي  بعد أن استخلفه المعز لدين الله الفاطمي على إفريقية عند توجهه إلى مصر. وكان استخلافه إياه سنة 361هـ .                                 وأمر الناس بالسمع والطاعة له، وسلم إليه البلاد  وخرجت العمال وجباة الأموال باسمه وأوصاه المعز بأمور كثيرة، وأكد عليه في فعلها. نجح بلكين في أن يقضي على الفتن الداخلية وعلى الثورات القبائلية المجاورة على حدود البلاد  وحقق استقرارا كبيرا بالبلاد إلى أن مات سنة 373 هـ ‏984م فخلفه ابنه المنصور بن بلكين  وكان من أعدل بني زيري  فاستعمل السياسة والعنف معا  ونجح في تصفية خصومه باللين والحكمة والترهيب كذلك.

لمحة من حياته

يعد بلكين ابن زيري بن مناد الذي كان حاكم المغرب الأوسط  وفي ظل حكم أبيه أعاد إعمار مدينة الجزائر على أنقاض مدينة إيكوسيم القديمة وذلك سنة960م  وكذلك مدن المدية و مليانة ، واهتم ببناء القرى وتحصينها .

بعد وفاة والده زيري بن مناد سنة 971م ، ورث والده على الحكم ، فعينه الخليفة الفاطمي بعد رحيله إلى مصر واليه على إفريقية والمغرب الإسلامي كله وتوجه نحو القيروان واتخذها عاصمة له دخل في صراعه مع جعفر بن حمدون من بني برزال في المسيلة المستقوي بكتامة والذي أصبح بولائه لخليفة قرطبة الحكم المستنصر بالله ثم انتقل جعفر بن حمدون بعدها إلى الأندلس وأصبح فارسالأندلس واتجه مجموعة كبيرة من أفراد قبيلته بني برزال أيضا وأصبحوا كتيبة فرسان الخلافة الأموية في الأندلس.

بعدها تمكن بلكين من السيطرة على أكثر المغرب الإسلامي ، ولقبه الخليفة بأبي الفتوح وسيف الدولة ، فتح بولوغين كل من طرابلس و سرت و برقة ، واتجه إلى فاس و سجلماسة وسيطر عليها فدان له أكثر بلاد المغرب الإسلامي و صقلية .

وفاته

توفي بلكين بن زيري سنة 984م ، وخلفه إبنه المنصور بن بلكين

الطب الشعبي

 مصطلح الطب التقليدي (الشعبي) يشير إلى الممارسات القائمة على النظريات والمعتقدات والخبرات الأصيلة التي تمتلكها مختلف الثقافات والتي تُستخدم للحفاظ على الصحة والوقاية من الأمراض الجسدية والنفسية أو تشخيصها أو علاجها أو تحسين أحوال المصابين بها. ويشمل الطب التقليدي (الشعبي) طائفة واسعة من المعالجات والممارسات التي قد تختلف باختلاف البلدان والمناطق. ويُشار إلى هذا الطب، في بعض البلدان، بمصطلح “الطب البديل” أو “الطب التكميلي”.

والطب التقليدي (الشعبي) معروف منذ آلاف السنين وأسهم ممارسوه بقسط وافر في تحسين الصحة البشرية، ولاسيما مقدمو خدمات الرعاية الأوّلية على الصعيد المجتمعي. والجدير بالذكر أنّ هذا الطب احتفظ بشعبيته في جميع أنحاء العالم. وتشهد كثير من البلدان المتقدمة والبلدان النامية زيادة في نسبة تعاطيه منذ التسعينات

مصطلحات وتعاريف الطب الشعبي

استُقيت المصطلحات التالية من الدلائل الإرشادية الخاصة بمنهجيات البحث والتقييم في مجال الطب التقليدي (الشعبي).

الطب التقليدي (الشعبي)

الطب التقليدي (الشعبي) هو مجموعة المعارف والمهارات والممارسات القائمة على النظريات والمعتقدات والخبرات الأصيلة التي تمتلكها مختلف الثقافات والتي تُستخدم، سواء أمكن تفسيرها أو لا، للحفاظ على الصحة والوقاية من الأمراض الجسدية والنفسية أو تشخيصها أو علاجها أو تحسين أحوال المصابين بها.

الطب التكميلي/البديل

يُشار إلى الطب التقليدي (الشعبي)، في بعض البلدان، بمصطلح “الطب البديل” أو “الطب التكميلي”. ويشير هذان المصطلحان إلى مجموعة من ممارسات الرعاية الصحية التي لا تدخل ضمن تقاليد البلد ولا تندرج ضمن نظام الرعاية الصحية الرئيسي.

الأدوية العشبية

يشمل مصطلح “الأدوية العشبية” الأعشاب والمواد العشبية والمستحضرات العشبية والمنتجات العشبية الجاهزة التي تحتوي على عناصر نباتية فاعلة أو على مواد أو تركيبات نباتية أخرى.

الأعشاب: المواد النباتية الخام مثل الأوراق أو الزهور أو الفواكه أو البذور أو الجذوع أو الخشب أو اللحاء أو الجذور أو الجذامير أو الأجزاء النباتية الأخرى، التي قد تكون في شكل مكتمل أو مجزّأ أو مسحوق.

المواد العشبية: تشمل هذه المواد، إضافة إلى الأعشاب، العصائر الطازجة وأشكال الصمغ والزيوت الثابتة و الراتينجات والمساحيق العشبية الجافة. ويمكن إعداد هذه المواد، في بعض البلدان، باتباع إجراءات محلية مختلفة، مثل التبخير أو التحميص أو الطهي في الفرن بالعسل أو المشروبات الكحولية أو مواد أخرى.

المستحضرات العشبية: تمثّل هذه المستحضرات الأساس الذي يقوم عليه إعداد المنتجات العشبية الجاهزة وقد تشمل المواد العشبية المفتّتة أو المسحوقة أو مشتقات المواد العشبية وصبغاتها وزيوتها الدهنية. وتُنتج هذه المستحضرات عن طريق الاستخلاص أو التجزيء أو التنقية أو التركيز أو غير ذلك من العمليات الفيزيائية أو البيولوجية. كما تشمل هذه المنتجات المستحضرات التي تُعد بنقع المواد العشبية في المشروبات الكحولية و/أو العسل أو مواد أخرى أو تسخينها مع خلطها بتلك المواد.

المواد العشبية الجاهزة: تشمل هذه المواد المستحضرات العشبية المصنوعة من نبات واحد أو عدة نباتات. ويمكن أيضاً، في حالة استخدام أكثر من نبات واحد، استعمال مصطلح “منتج المزيج العشبي”. وقد تحتوي المواد العشبية الجاهزة أو منتجات المزيج العشبي” على أسوغة بالإضافة إلى المكوّنات الفاعلة. غير أنّ المنتجات الجاهزة أو منتجات المزيج العشبي التي تُضاف إليها مواد فاعلة تُعرف تركيبتها الكيميائية، بما في ذلك المركبات الاصطناعية و/أو المكوّنات المعزولة من مواد عشبية، لا تُعتبر مواد عشبية.

الاستخدام التقليدي للأدوية العشبية

يشير “الاستخدام التقليدي للأدوية” العشبية إلى استخدام تلك الأدوية على مدى التاريخ. وقد رسخ استخدام تلك الأدوية وهي تحظى الآن باعتراف واسع من حيث مأمونيتها ونجاعتها، وقد تحظى أيضاً بقبول السلطات الوطنية.

النشاط العلاجي

يشير مصطلح “النشاط العلاجي” إلى النجاح في الوقاية من الأمراض الجسدية والنفسية أو تشخيصها أو علاجها أو تحسين أحوال المصابين بها؛ وإلى تغيير الحالة الجسدية أو النفسية بطريقة مفيدة.                                                                                                                 مصطلح “المكوّنات الفاعلة” إلى مكوّنات الأدوية العشبية ذات التأثير العلاجي. وينبغي مواءمة الأدوية العشبية التي تم فيها تحديد المكوّنات الفاعلة كي تحتوي على كميات محدّدة من تلك المكوّنات، وذلك في حال توافر الأساليب التحليلية المناسبة. ويمكن، إذا لم يتسن تحديد المكوّنات الفاعلة، اعتبار الدواء العشبي بأكمله مكوّناً فاعلاً.                                                                                                                         يشمل الطب الشعبي العديد من الممارسات والأدوية المختلفة ، وهو يتباين بتباين البلدان. وفي حين يبدو أن بعض الممارسات تعود بمنافع صحية، فإن الممارسات الأخرى تظل محل تساؤل.

وفي عام 2002 أطلقت منظمة الصحة العالمية استراتيجية في مجال الطب الشعبي ترمي إلى مساعدة البلدان على استكشاف الإمكانات التي يتيحها ذلك الطب لصحة البشر وعافيتهم وإلى الحد من المخاطر المحتملة الناجمة عن تعاطي الأدوية التي لم تثبت نجاعتها أو تعاطي الأدوية على نحو ضار، والنزول بتلك المخاطر إلى أدنى مستوى. والهدف الأساسي من تلك الاستراتيجية هو التشجيع على إجراء المزيد من البحوث في هذا المجال.

وهناك بعض القرائن العلمية تؤيّد، على ما يبدو، استخدام الطب الشعبي والطب التكميلي- مثل استخدام الوخز الإبري للتخلّص من الألم ، وممارسة اليوغا للحد من أزمات الربو وممارسة تقنيات التايتشي التي تساعد المسنين على التحكم في الخوف من السقوط. ولا توصي منظمة الصحة العالمية، حالياً، بتلك الممارسات ولكنّها تتعاون مع البلدان من أجل الترويج لنهج قائم على القرائن العلمية يمكّن من تناول المسائل المرتبطة بمأمونية تلك الممارسات وفعاليتها ونوعيتها.

وهناك، للأسف، أضرار يمكن أن تحدث، في بعض الحالات، جراء إساءة استعمال بعض الأعشاب الطبية المعينة. فنبات عنب البحر يُستخدم عادة في الصين لعلاج الاحتقان التنفسي المؤقت. وكان ذلك النبات يُسوّق في الولايات المتحدة الأمريكية كمادة تساعد على التخفيف من الوزن، غير أنّ استخدامه على المدى الطويل أدّى إلى وفاة ما لا يقل عن اثنتي عشرة نسمة، فضلاً عن حدوث أزمات قلبية وسكتات. أما في بلجيكا فقد توجّب إجراء عمليات زرع أو غسل كلى على 70 شخصاً على الأقل جراء إصابتهم بتليّف خلالي في الكلى نتيجة تناولهم، خطأً، نباتاً من فصيلة الزراونديات للأغراض ذاتها.

ويمكن استخدام الأدوية الشعبية والبديلة، المأمونة والناجعة، كوسيلة لتعزيز فرص الحصول على الرعاية الصحية في البلدان النامية، حيث يتعذّر على أكثر من ثلث السكان الحصول على الأدوية الأساسية. ومن سُبل تحقيق ذلك دمج الطب الشعبي في النظام الصحي الرسمي، مما يضمن تحسين المأمونية ومتابعة المرضى بشكل ملائم.

وما فتئ الطب الشعبي يزداد شيوعاً في البلدان الصناعية، حيث يمكن الآن اقتناء العديد من منتجات ذلك الطب بحرية تامة.

وبالإضافة إلى الهواجس المرتبطة بالمأمونية والنوعية يثير الطب الشعبي أيضاً مسائل تتصل بحماية التنوع البيولوجي (بسبب الإفراط في زرع المواد الخام اللازمة للأدوية العشبية وغيرها من المنتجات)، وبحماية المعارف التقليدية التي تزخر بها المجتمعات المحلية.

الاستراتيجية العالمية للطب الشعبي

وهي وثيقة وضعتها منظمة الصحة العالمية كاستراتيجية لفترة 2002-2005 وتتألف من 70 صفحة تقريبًا، ويوجد على موقع المنظمة نسخة مترجمة إلى اللغة العربية.

تبدأ الوثيقة بالنقاط الرئيسية التي تعرف الطب الشعبي وتدرس استعماله الواسع والمتنامي ، وأسباب هذا الاستخدام الواسع ، وتقارن بين الحماس المبالغ فيه والشك غير المبرر ، وتتحدث عن التحديات في تطوير الطب الشعبي ، وماهية دور منظمة الصحة العالمية ، وعن شبكة العمل وعن استراتيجية التنفيذ. ومن فصول الوثيقة : التحديات : من حيث السياسة الوطنية وقضايا السلامة والجودة وإتاحة الطب الشعبي للمحتاجين بكلفة ميسورة ، والاستعمال المرشد. فصل الدور الحالي لمنظمة الصحة العالمية: تطوير الطب الشعبي ودمجه مع الأنظمة الصحية الوطنية ، التأكيد على الطب الشعبي المناسب والسليم والفعال ، زيادة إتاحة المعلومات عن الطب الشعبي. فصل الموارد الوطنية والدولية للطب الشعبي : وكالات الأمم المتحدة ، المنظمات الدولية  المنظمات غير الحكومية ، الروابط المهنية العامة ، الروابط المهنية الدولية والوطنية ، المبادرات النوعية ..خطة العمل : السياسة ، السلامة ، الإتاحة والتيسير ، الاستعمال المرشد..

منسقة فريق العمل للطب الشعبي من قسم السياسة الدوائية والأدوية الأساسية في منظمة الصحة العالمية هي الدكتورة زيوري زانغ ، وقد صدرت هذه الوثيقة بعبارة :

هذه أول استراتيجية عالمية حول الطب الشعبي لمنظمة الصحة العالمية وقد وضعت مسودتها عقب مشاورات موسعة ، وإن هناك الكثير من التعديلات والتغييرات على المستوى الإقليمي قد تكون ضرورية لكي تأخذ الإخراجات على هذا المستوى أهمية ذات قيمة في استخدام الطب الشعبيوالطب البديل والتكميلي . وبالإضافة إلى ذلك يجب ملاحظة صعوبات فيما يتعلق بالمصطلحات الدقيقة لوصف المعالجات والمنتجات الخاصة بهذا النوع من الطب ، وكثيراً ما تشكل مصدوقية المعطيات المتعلقة بالموضوع مشكلة أخرى ، وإن المنهجيات في جمع المعطيات لا تعتمد الدراسات المقارنة ، وليست ذات متثابتات واضحة ومحددة.

ومن المؤسف أن المنطقة العربية هي أقل المناطق مساهمة في وضع هذه الوثيقة والأبحاث التابعة لهذا المجال الواعد في الطب صحياً واقتصادياً

 رغم كثرة الحديث عن الطب الشعبي فيها وكثرة الممارسات بغض النظر عن نجاعتها وسلامتها.

ومن المعلومات المفيدة في هذه الوثيقة التنبيه إلى سعة انتشار ممارسة الطب الشعبي والبديل في دول العالم كافة بما فيها الدول الغربية  فبلغت نسبة السكان الذين يستخدمون الطب البديل مرة على الأقل 48% في أستراليا ، و70% في كندا ، و42% في الولايات المتحدة ، و755% في فرنسا. وهذا يترافق مع انفاق هائل على سوق الطب البديل ؛ 2700 مليون $ في الولايات المتحدة مثلاً . وينتشر الطب الشعبي في الدول الفقيرة بسبب توفره وقلة كلفته في حين أن انتشاره في الدول المتقدمة يعزى لظهور الآثار الضائرة للأدوية الكيماوية والشك حول أساليب تسويق الأدوية.

والجدل حول الطب الشعبي شديد وغير منطقي أحياناً فهنالك من يرفض متابعة أدوية عشبية تقوي المناعة حتى عند مرض الإيدز بحجة أن ذلك يصرف النظر عن معالجات أكثر جدوى ، وعلى المستوى القانوني نجد أن 25 دولة فقط من أصل 191 دولة عضو في منظمة الصحة العالمية طورت سياسات تعتني بالطب البديل.

وتلفت الوثيقة النظر إلى القدرات الكامنة والواعدة في كثير من مناحي الطب الشعبي ولكن قلة إجراء الأبحاث حولها أحاط آثارها الجانبية بالغموض وتعسر تحديد الممارسات الأكثر سلامة وفعالية.

ولاحظت الوثيقة أن هنالك دراسات مطبوعة وغير مطبوعة عن الطب الشعبي في مختلف البلاد ولكن من الواجب الحث على أبحاث السلامة والنجاح مع التأكيد على ضرورة تحقيق النوعية في البحث .

وهذا الأمر يدفعنا إلى تأكيد الدور المهمش لوزارات الصحة والتعليم العالي والزراعة ، وكليات الطب والصيدلة والزراعة في متابعة أبحاث الطب الشعبي علمياً بالتعاون مع المراكز الدولية وعدم ترك الأمر بيد الهواة وغير المختصين.

ومن نجاحات الطب الشعبي المؤكدة استعمال الوخز بالإبر لإزالة الألم واستعمال الأرطُماسيا السنوية Artimesa annua في علاج الملاريا واستعمال عشبة القديس جون لتدبير الاكتئاب الخفيف والمتوسط دون حدوث الآثار الجانبية المعهودة لمضادات الاكتئاب.

ومن الجداول المهمة جدول :

الحاجات الأساسية لضمان السلامة والنجاعة والجودة في الطب الشعبي البديل والتكميلي ؛ فقرة المستوى الوطني :

تنظيم وتسجيل وطني للأدوية العشبية

مراقبة السلامة للأدوية العشبية وغيرها

دعم البحوث السريرية

وضع معايير وطنية ومنهجيات ودلائل تقنية لتقييم السلامة والنجاعة والجودة

وضع دستور للأدوية الوطنية ودراسة النباتات الطبية

وهذه الوثيقة هي واحدة من العديد من الوثائق النافعة والمهمة التي تنشرها منظمة الصحة العالمية بخصوص الطب الشعبي ؛ فمن الوثائق المهمة كتب أفرودات نباتات طبية مختارة أعدها مائة خبير من أربعين بلداً وقد صدر ثلاث مجلدات منها حتى الآن ونشرت مجلة خدمة المعلومات الدوائية فقرات مختارة لبعض النباتات المذكورة فيها ، ومن الوثائق المهمة دراسات قانونية عن الطب الشعبي ، وغيرها.

القاديانية وموقفهم من المسجد الأقصى

تاريخ فرقة القاديانية في فلسطين:
كانت بداية القاديانية التي تلقب نفسها بـ (الجماعة الإسلامية الأحمدية) في فلسطين حين وصل بعض أتباعهم إليها عن طريق حيفا، وكان في مقدمتهم ابن مؤسس الفرقة القاديانية وخليفته بشير الدين محمود أحمد عام 1924م، وحضر معه القادياني جلال الدين شمس الذي أسس مركز الجماعة في قرية الكبابير على قمة جبل الكرمل في حيفا, وقد تبع ذلك بناء أول معبد للجماعة هناك عام 1934م، وكان ذلك برعاية حكومة الانتداب البريطاني المحتلة لأرض فلسطين آنذاك, وتم إعادة بناء ذلك المعبد في عام 1979م ويعرف تدليسًا بمسمى (مسجد سيدنا محمود)  وتضم قرية الكبابير الآن قرابة 3000 نسمة معظم سكانها من أتباع القاديانية.

وقد عاشت الجماعة في شبه عزلة عقائدية حيث لم تنتشر القاديانية بين العرب المسلمين المقيمين في أراضي عام 1948م بدليل أنهم من خارج قرية “الكبابير” لا يتجاوزون العشرات بمن فيهم متبعو القاديانية من سكان الضفة الغربية. وقبل خمس سنوات تقريبًا كان لي نقاش مع أحد الفلسطينيين الذين اعتنقوا العقيدة القاديانية الباطلة, واستفزتني مقولة لذلك الضال “من أنهم سيعملون جاهدين لجعل كل أهل فلسطين قاديانيين”, فقلت له: وهذا ما يسعى له اليهود كذلك !! ولكن أنى لكم ذلك والمسجد الأقصى وما حوله من أرض فلسطين والشام هي مقام الطائفة المنصورة وعقر دار المؤمنين, والأرض التي إليها محشر العباد, ومنها يكون  المنشر, وفيها مقتل الدجال وأتباعه, وفيها يشهد نطق الحجر والشجر حين يقول: “يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعالى فاقتله”، والتي ستعود فيها الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة, فهي الأرض التي باركها الله للعالمين, ولن تكون مقامًا للمجرمين.

عقيدة القاديانية الأحمدية:
تعتقد القاديانية أن النبوة لم تختم بمحمد صلى الله عليه وسلم، بل هي جارية والله يرسل الرسول حسب الضرورة، وأن غلام أحمد هو أفضل الأنبياء جميعًا، ويعتقدون أن جبريل عليه السلام كان ينزل على غلام أحمد وأنه كان يوحي إليه, وأن إلهاماته كالقرآن. ويعتقدون أن قاديان كالمدينة المنورة ومكة المكرمة بل أفضل منهما وأرضها حرم وهي قبلتهم وإليها حجهم، وقد نادوا بإلغاء عقيدة الجهاد كما طالبوا بالطاعة العمياء للحكومة الإنجليزية؛ لأنها حسب زعمهم ولي الأمر بنص القرآن. وكل مسلم عندهم كافر حتى يدخل القاديانية, كما أن من زوج أو تزوج من غير القاديانيين فهو كافر.

ولم يقف ادعاء النبوة عند غلام أحمد القادياني, بل ادعى النبوة عدد من أتباع القادياني كمحمد صادق القادياني وغلام محمد القادياني وغيرهما, والمصيبة العظمى أن يزعم الغلام أن باب النبوة لا يزال مفتوحًا ويقرر ذلك ولده محمود أحمد الخليفة الثاني للقاديانيين في ص288 من كتاب (حقيقة النبوة) إذ يقول: “ومما هو واضح كالشمس في رابعة النهار أن باب النبوة لا يزال مفتوحًا”.

وادعى خليفة “غلام أحمد” أنه أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول في كتاب (حقيقة النبوة) ص257 لميرزا بشير أحمد الخليفة الثاني “إن غلام أحمد أفضل من بعض أولي العزم من الرسل”. وفي صحيفة (الفضل) المجلد الرابع عشر (29 أبريل سنة 1927م): “أنه كان أفضل من كثير من الأنبياء ويمكن أن يكون أفضل من جميع الأنبياء”. وفي صحيفة (الفضل) المجلد الخامس عدد 92 يوم 28 مايو 1918م: “لم يكن فرق بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتلاميذ ميرزا غلام أحمد إلا أن أولئك رجال البعثة الأولى وهؤلاء رجال البعثة الثانية”.

عقيدتهم في المسجد الأقصى:
هم يعتقدون قدسية “قاديان” في الهند, ويعتقدون بأن المسجد الأقصى هو مسجد الميرزا في قاديان وليس الذي في بيت المقدس. جاء في صحيفة (الفضل) القاديانية عدد 3 سبتمبر سنة 1935م:”لقد قدّس الله هذه المقامات الثلاث مكة والمدينة وقاديان، واختار هذه الثلاث لظهور تجلياته”. وفي عدد 23: “إن المراد بالمسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله هو مسجد  قاديان”. وهدفهم من ذلك واضح ليقولوا كاذبين بأن القدس لا مكانة لها ولا رابط دينيا بينها وبين الإسلام, والمسجد الأقصى هو مسجد آخر غير الموجود بالقدس، هو مسجد في “قاديان”!!

ومن المعلومات الخاطئة التي تُشاع عنهم أنهم يعتقدون أن قاديان كالمدينة المنورة ومكة المكرمة بل أفضل منهما وأرضها حرم وهي قبلتهم وإليها حجهم، بينما المعلومة الصحيحة في معتقدهم هي: أنها قبلة القاديانيين وحجهم إلى مكة المكرمة، لكنهم يعتقدون قدسية قاديان أيضًا وأن المسجد الأقصى هو مسجد الميرزا في قاديان وليس الذي في بيت المقدس.

وحول هذا كتب أمجد السقلاوي في مجلة (الراصد)  العدد الرابع والثمانين -وكان في فترة من الفترات قد تأثر بالقاديانية ثم رجع إلى الإسلام وأصبح يكتب عنهم وهو أعلم بخفاياهم- أن فكر الدين الأحمدي القادياني كله فكر خياني يسلب من المسلمين كل مقدساتهم، ومن تلك المقدسات:%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%ac%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%b5%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a8%d8%a7%d8%b1%d9%83

المسجد الأقصى المبارك:
فالقادياني لا يعترف بالمسجد الأقصى الذي في القدس، بل الأقصى عنده هو مسجده الذي بناه في منطقة قاديان بالهند!! وهذا صريح في كتابه (خطبة إلهامية) ص25، حيث يقول ميرزا: “والمسجد الأقصى المسجد الذي بناه المسيح الموعود في القاديان”، وأكد هذا القول الناشر لـ (خطبة إلهامية) نقلا عن كتاب (أصحاب أحمد)، ضياء الدين القاضيكوتي (ص119-121).

وجاء في صحيفة (الفضل) القاديانية (عدد 3، سبتمبر سنة 1935م): “لقد قدس الله هذه المقامات الثلاث مكة والمدينة وقاديان، واختار هذه الثلاث لظهور تجلياته”. وفي العدد (23): “إن المراد بالمسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله هو مسجد قاديان”.

ويقول (Abur Rahim Dard) وهو من القاديانيين المنظرين للدين القادياني في كتابه المنشور على الإنترنت في موقع (الإسلام أون لاين ستور) ما نصه: “المسجد الأقصى تمّ بناؤه على يد ميرزا غلام مرتضى، أما الأرض التي بني عليها المسجد فكانت مملوكة للسيخ لكنه اشتراها منهم”.

ويضيف السقلاوي تأكيدًا لذلك: “فعلى سبيل المثال منظر القاديانية الفلسطيني هاني طاهر لا يرى ضيرا في إعطاء اليهود المحتلين جزءا من المسجد الأقصى المبارك حين كتب مقالا بعنوان (الحل النهائي والمسجد الأقصى)، قال فيه: “الناس في بلدي قلقون بشأن الأوضاع السياسية؛ فالحواجز تخنقنا، والمساعدات لا تكاد تصلنا، والعدو يسيطر على كل برّنا وجوّنا، والجدار يضيق علينا، ولا حلّ في الأفق. ليس لنا أن نهمل حقوق الذين هُجّروا من أراضيهم في فلسطين كلها، لكن لا غضاضة من تعديل الحدود وتشذيبها إذا كانت لا تضيع أي جزء من الأرض. أما موضوع المسجد الأقصى، فلا أرى ضيرًا من أن يُعطى اليهود تحته معبدًا يعبدون الله فيه، بحيث يكون مدخله من الجهة الغربية. أما الخشية من هدم المسجد الأقصى، فيمكن تجنبها من خلال وضع مراقبين دوليين في المعبد .. وما الكارثة في بناء عدة طوابق تضم الجميع؟”. انظر: مدونة هانى طاهر.

ومن أجل تلك الغاية الخبيثة الضالة أوّلوا القرآن الكريم وفق الإلهامات الشيطانية الباطلة لأنفسهم المريضة, يقول القاديانى خليفة مسيلمة الكذاب: إن الآية {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] تعنى المسجد الذي أُسس في “قاديان” ويُضيف: إن المراد بالمسجد الأقصى في قوله تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1] هو المسجد المؤسس في قاديان. انظر: براهين أحمدية.

جوابهم على سؤال أين المسجد الأقصى؟
في الموقع الرسمي للقاديانية (الأحمدية) على الشبكة العالمية الإنترنت -باللغة العربية- وفي مدخل أسئلة وأجوبة جاء السؤال التالي: هل صحيح إنكم تعتبرون أن المسجد الأقصى المذكور في القرآن الكريم هو مسجد الميرزا غلام أحمد الموجود في قاديان؟

فأجاب هاني طاهر بالآتي: “نقول إن الإسراء إلى المسجد الأقصى المذكور في سورة الإسراء هو كشف روحاني يشير إلى عدة أحداث، أولها: الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة. وثانيها: امتلاك المسلمين بيت المقدس وما حوله، وهذا حدث زمن الخلفاء الراشدين، وثالثها: ظهور الإمام المهدي وهو حضرة ميرزا غلام أحمد عليه السلام، باعتبار بعثته بعثة أخرى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه خادم له ولدينه وخير مدافع عنهما. وهذا مشار إليه في قوله تعالى: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: 3]، أي أن الله تعالى سيبعث سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم مرة ثانية في الآخرين، وحيث إن من توفاه الله لا يعود إلى الدنيا، فالمقصود من بعثته الثانية بعثة رجل من أمته خادما له ولدينه، وقد فسر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هذه الآية بقوله: “لو كان الإيمان معلقا بالثريا لناله رجل أو رجال من آل فارس”. البخاري، كتاب التفسير. وبهذا يمكن أن نُطلق اسم المسجد الأقصى على المسجد الذي بناه حضرته عليه السلام. وليس هناك تعارض بين أن يكون مسجدٌ أقصى في القدس ومسجدٌ أقصى في قاديان، ولا تنسَ أنه لم يكن للمسجد الأقصى الموجود حاليا في القدس أي وجود في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما بناه الخليفة الأموي. ولا تنسَ أن هنالك العديد من المساجد في العالم التي سماها المسلمون: المسجد الأقصى, وللتفصيل نرجو أن تعود إلى تفسير قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1]  في التفسير الكبير في الموقع. هاني طاهر.

وفي نفس الموقع وتحت مدخل (سيرة خلفاء الإمام المهدي): “والتعريف بإنجازات الخليفة الأول نور الدين البنجابي والذي ولد في قرية (بهيرا) في (البنجاب) عام 1841م؛ ويطلقون عليه  تدليسًا مسمى: نور الدين القرشي؛ لأنه مكث في أرض الحجاز أربع سنين, كتبوا نصًا: قام حضرة الخليفة الأول بالعديد من الإنجازات الهامة في الجماعة الإسلامية الأحمدية منها: تم في عهده توسيع المسجد الأقصى والمدرسة العليا لتعليم الإسلام ومساكن الجماعة الإسلامية الأحمدية, وافتتح مشفى النور ومسجد النور في قاديان”.

علاقتهم مع الكيان الصهيوني:
ولا يخفى أن للقاديانية علاقات وطيدة مع الكيان اليهودي, فقد فُتحت لهم المراكز والمدارس ومُكِّنوا من إصدار مجلة تنطق باسمهم, ولهم مطلق الحرية والدعم في طباعة كتبهم وضلالاتهم  وتوزيعها في العالم, وانتقالهم الحر بين فلسطين ودول العالم.

يقول الميرزا مبارك أحمد القادياني في كتابه (بعثاتنا الخارجية): “ويمكن للقارئين أن يعرفوا مكانتنا في إسرائيل بأمر بسيط، بأن مبلغنا جوهدري محمد شريف حينما أراد الرجوع من إسرائيل إلى باكستان سنة 1956م، أرسل إليه رئيس دولة إسرائيل بأن يزوره قبل مغادرته البلاد، فاغتنم المبشر هذه الفرصة وقدم إليه القرآن المترجم إلى الألمانية الذي قبله الرئيس بكل سرور”. انظر الموقع الرسمي للقاديانية على الشبكة العالمية باللغة العربية.

وقبل ذلك كان ولاؤهم عظيمًا لبريطانيا فقد أوجب الميرزا طاعة الملكة فكتوريا -رئيسة الكنيسة الأنجليكانية- وطاعة حفدتها، فيقول في ختام كتابه (حقيقة المهدي) ما نصه: “ولولا خوف سيف الدولة البريطانية لقتلوني بالسيوف والأسنة، ولكن الله منعهم بتوسط هذه الدولة المحسنة، فنشكر الله ونشكر هذه الدولة التي جعلها الله سببا لنجاتنا من أيدي الظالمين، إنها حفظت أعراضنا ونفوسنا وأموالنا من الناهبين، وكيف لا نشكر وإنا نعيش تحت هذه السلطنة بالأمن وفراغ البال، ونجينا من أنواع النكال، وصار نزولها لنا نزول العز والبركة، ونلنا غاية رجائنا من الدنيا والعافية، فوجبت إطاعتها أو سلامتها بصدق النية، بل جعل قلوبنا أسارى بأيادي المنة والنعمة، فوجب شكرها أو شكر ميرتها، ووجب طاعتها وطاعة حفدتها، اللهم اجز عنا هذه الملكة المعظمة واحفظها بدولتها وعزتها يا أرحم الرحمين، آمين”. الراقم المرزا غلام أحمد القادياني 21 فروري سنة 1899.

وللقاديانيين قناة فضائية (التلفزيون الإسلامي الأحمدي) ومواقع على الشبكة العالمية “الإنترنت” ويطلقون على أنفسهم مسمى (الجماعة الإسلامية الأحمدية العالمية), والمتصفح لمواقعهم باللغة العربية يجدهم قد هذبوها من أغلب ما يثير  المسلمين عليهم, حيث تقرأ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، أعلى الصفحة الرئيسية للموقع وصورة الكعبة في مكة المكرمة؛ حتى يدلسوا على المتصفح لذلك الموقع بأنهم لا يخالفون عقيدة المسلمين, وأكثروا فيه من مدح العرب وخدمات قادتهم وخطاباتهم ومواقفهم من القضايا العربية, ليدفعوا التهم بعلاقتهم بالاستعمار.

وكتب عنهم أمجد سقلاوي مقالًا في مجلة (الراصد) في  العدد الرابع والثمانين بعنوان: (من خيانات القاديانيين الهند: موطن المسجد الأقصى)!! جاء فيه: “لقد سعى اليهود لزرع جماعات وفرق ذات طابع ديني إسلامي تكون كجواسيس لهم تستطلع الأخبار وتنشر بعض الأفكار التي تخدم إسرائيل، ومن تلك الجماعات: القاديانية، التي تلقب نفسها بالجماعة الإسلامية الأحمدية لتخدع البسطاء من المسلمين بهذا الاسم الرنان، وهي طائفة أجمع العلماء على كفرها وردتها، ظاهرها الإسلام وباطنها الولاء المطلق للإنجليز واليهود وأعوانهم, وأتباع هذا الدين يؤمنون برجل هندي اسمه الميرزا غلام أحمد القادياني، والأخير قد ادعى المهدوية ومن ثم أنه المسيح المنتظر، بل زاد وبالغ أنه هو الظهور الأكمل لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم!!”.

هدف اليهود من رعاية الفرق الباطنية:
ولليهود في ذلك مقاصد وأهداف واضحة جلية, أولها شق صف المسلمين في فلسطين بزرع الفرق الباطنية وتسهيل مهامهم, لهدف أساس وهو كف المسلمين عن ذروة سنام الإسلام وهو الجهاد في سبيل الله, وشحن المسلمين بسيل من الشبهات والشهوات, وبث السموم لتوهين الثوابت في نفوس المسلمين.

والهدف الأهم كذلك هو إسقاط جوهر الإسلام واستعلائه وظهوره وتميزه؛ بجعل دين الإسلام المحكم المحفوظ من التبديل، في مرتبة الأديان المحرفة, وإظهار الخلاف العقدي بين المسلمين.

من لهؤلاء الضُلّال؟!
إن مسؤولية المسلمين قادة ودعاة وعلماء وموجهين تتعاظم أمام شبهات الفرق الباطنية والدعوات المنحرفة؛ لكشف زيفهم وضلالهم حتى لا ينطلي باطلهم على الناس,  ولا يكون كشف ذلك الضلال إلا بدراستهم ومعرفة واقعهم وقادتهم, وأماكن تواجدهم, وكيف ينشرون ضلالهم ؟ وما هي الأساليب التي يستخدمونها؟ وحجم الدعم الذي يتلقونه؟ وما هي الشخصيات التي يستغلون نفوذها؟

ولا بد من الحذر الشديد من استفادة الفرق الباطنية وبالأخص القاديانية من تقصير الإعلام الإسلامي والعربي بشأنها, حيث إنه شنع على هذه الطائفة وحذر منها, إلا أنه في أغلب الأحيان ارتكب أخطاء جسيمة عندما لم يلتزم الدقة وبالغ في بعض الأحيان فيما يتعلق بأفكار وتاريخ هذه الطائفة, التي استغلت هذه الأخطاء لتوهم أفرادها والمتأثرين ببعض آرائها بأن هناك حملة شعواء حول هذه الجماعة تهدف إلى تشويهها، وبأن كل التهم التي يكيلها الإعلام لها إنما هي افتراءات بل كذب محض بدليل وجود أدلة قوية على كذب بعض تلك الاتهامات، بل إن بعض قادة هذه الطائفة والمنظرين لها تمادوا أكثر فادعوا بأنه ليست لجماعتهم أي صلة بما يطلق عليه الناس اسم (الطائفة القاديانية)، وأن هذه الطائفة هي جماعة وهمية من اختراع الناس وإعلامهم الكاذب!!

ولو أنك بحثت مثلًا في الإنترنت عن هذه (القاديانية) لوجدت آلاف المواضيع المنسوخة عن بعضها في الغالب، لكن القليل من تلك المواضيع هو الذي يوضح حقيقة هذه الطائفة, وطرق دعوتهم الحديثة الباطلة.

فلا يصلح لمحاربة القاديانية إلا شخص يعرف الحق بداية, ولديه ذكاء وعقل, وحسن تصرف ولباقة في الحديث؛ وذلك أن الدين القادياني قائم على الكذب والخداع ونشر الشبهات, فلن يصلح رجل يحسن الظن بكل ما يقال أو يقرأ. وأيضًا القادياني لا يروج عقيدته إلا بشبهات شيطانية يصطادها خبثاء من بطون الكتب غالبًا ما تكون مكذوبة أو محرفة أو من قبيل المنسوخ أو المقيد والخاص فيجعلونه عامًا مطلقًا.

ولهذا يجب توعية المؤثرين في المجتمع وهم العلماء والدعاة والخطباء وأئمة المساجد ومدرسو الجامعات والمدارس وقادة العمل الإسلامي والمسؤولون المحليون، من خلال تعريفهم بحقيقة عقيدة الطائفة القاديانية اليوم بنص أقوال قادتهم المعاصرين, وكذلك بحقيقة المواقف السياسية الطائفية التي ينتهجها أتباع القاديانية, والرعاية والدعاية التي تخدم انتشارهم.

وفي الختام لا خير فينا إن لم ننشر عقيدتنا الإسلامية الصافية, ونبين صفة الفرقة الناجية التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي المتمسكة بكتاب الله تعالى وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيثما كانت, امتثالًا لقول الله تعالى:

{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153]

وقوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 31 – 32]

ولوصية الرسول صلى الله عليه وسلم: “فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ, وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة”.

وأوجز ذلك كله  ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى:

{ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُون} [الأنعام: 159]

فقال: “إن هذه الآية عامة في كل من فارق دين الله, وكان مخالفًا له؛ فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله, وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق, فمن اختلف فيه {وَكَانُوا شِيَعًا} أي: فرقًا كأهل الملل والنحل, والأهواء والضلالات, فإن الله تعالى برأ رسوله صلى الله عليه وسلم مما هم فيه”.

الآثار المعمارية للدولة العثمانية في القدس

يعد السلاطين العثمانيين أكثر حكام المسلمين اهتمام بمدينة القدس, حيث يبلغ عدد المعالم الأثرية العثمانية ألفين وستين معلمًا، وفي هذه المقال نتناول أهم الآثار التاريخية والإسلامية زمن الدولة العثمانية في مدينة القدس.
قدس.gif
آثار العهد العثماني (923 – 1336هـ/ 1517 – 1917م)…

آثار السلطان سليمان القانوني:
إن أبرز وأهم آثار العهد العثماني السور المحيط بمدينة القدس القديمة الذي قام السلطان سليمان القانوني ابن السلطان سليم بإعادة بنائه. وهو يجري في معظم  مختطه، ولا سيما في المواقع الهامة في الشمال والجنوب، على خط سور مدينة إيليا كبيولينا (مدينة القدس) التي أعاد بناءها الإمبراطور الروماني هدريان سنة 135م بعد خرابها الثاني وأطلق عليها هذا الاسم.

وللسلطان سليمان القانوني أيضًا برج لقلق الواقع على زاوية السور الشمالية الشرقية قبالة متحف الآثار الفلسطيني، وبرج الكبريت القريب من باب المغاربة، والأبراج الأخرى البارزة من السور والموزعة على مسافات اقتضاها محيط الأرض، وأبواب المدينة الحالية المفتوحة في السور وهي باب العمود (باب دمشق)، وباب الساهرة، وباب ستنا مريم، وباب الخليل (باب يافا)، وباب النبي داود، وباب المغاربة.

وفي زمنه بنيت عدة سبل في الطرق الرئيسة المؤدية إلى المسجد الأقصى بالقرب من مداخله. فهناك سبيل بطريق الواد قرب سوق القطانين، وهو أحد الطرق الرئيسة الموصلة إلى ساحة الحرم، وسبيل آخر عند باب السلسلة المدخل الرئيس لساحة الحرم، وسبيل بالقرب من باب الناظر المؤدي أيضًا إلى الحرم، وسبيل قرب مدخل المدينة الشرقي ويعرف سبيل باب ستنا مريم القريب من مدخل الحرم المعروف بباب الأسباط، وهو واقع عند الزاوية الشمالية الشرقية من ساحة الحرم، وسبل بالقرب من مدخل الحرم المعروف بباب شرف الأنبياء (باب الملك فيصل)، وسبيل بركة السلطان في جانبها الجنوبي، وتقع البركة خارج القدس القديمة على بعد قرابة 150م إلى جنوب باب الخليل.

وفي عهده استبدل بالزخرفة الفسفسائية التي كانت تكسو ظاهر جدران قبة الصخرة العليا القيشاني الموجود عليها اليوم. وقد اقتضى هذا العمل ما حل من التلف والخراب بالكسوة الفسفسائية بفعل العوامل الطبيعية، وأصبح استبدال القيشاني بها أمرًا ضروريًا لوقاية البناء من نفاذ الرطوبة إلى جدرانه.

ومن آثار العهد العثماني أيضًا:
1) المسجد القيمري:
يقع إلى غرب الباب الجديد على مقربة منه. ويرجع تاريخ بنائه إلى القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي.

2) قبة الأرواح:
على سطح صحن قبة الصخرة إلى الشمال منها. وهي من القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي.

3) قبة الخضر:
بالقرب من المرقى المؤدي إلى صحن قبة الصخرة عند زاويته الشمالية الغربية. وهي من القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي.

4) حمام السلطان:
يقوم على زاوية طريق باب الأسباط عند التقائها بطريق الواد. وهي من القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي.

5) قبر النبي داود:
يبعد نحو 150 م جنوب باب النبي داود. ويرجع بناؤه إلى سنة 930هـ/1524م.

6) مئذنة القلعة:
عند باب الخليل إلى جانب القلعة الجنوبي الغربي. ويرجع بناؤها إلى عام 938هـ/1531م.

7) محراب قبة النبي:
بين بناء قبة الصخرة وقبة المعراج، أنشأها محمد بك أحد ولاة القدس سنة 945هـ/1538م.

8) رباط بيرم:
على جنوب عقبة التكية عند التقائه بطريق الواد. وقد بناه بيرم شاويش بن مصطفى سنة 947هـ/1540م.

9) المدرسة الرصاصية:
شمال طريق عقبة التكية عند التقائه بطريق الواد. وبانيها هو أيضًا بيرم شاويش بن مصطفى سنة 947هـ/1540م.

10) تكية خاصكي سلطان:
على جنوب طريق عقبة التكية وشرق الدار الكبرى التي أنشأتها الست طنسق المظفرية سكنا لها، وتعرف اليوم بدار الأيتام الإسلامية. وقد أنشأتها خاصكي سلطان زوجة السلطان سليمان وأوقفت عليها أملاكا، وما زالت إلى اليوم تقدم الطعام مجانًا إلى المحتاجين.

11) حجرة محمد آغا:
عند المرقى الشمالي الغربي المؤدي إلى صحن قبة الصخرة. وقد أنشأها محمد آغا سنة 996هـ/1588م.

12) جامع المولوية:
بداخل سور المدينة على بعد قرابة 150م إلى جنوب غرب باب العمود. وقد بني سنة 995هـ/1586م.

13) الزاوية الأفغانية (النقشبندية):
تبعد نحو 100 م إلى غرب باب الغوانمة. وقد أقيمت سنة 1040هـ/1630م. وكان أحد أجنحتها يضم المحكمة الشرعية ومكانتها في القدس خلال فترة الانتداب البريطاني.

14) محراب علي باشا:
بداخل ساحة الحرم بالقرب من باب القطانين. وقد أنشىء سنة 1047هـ/1637م.

15) قبة يوسف:
على سطح صحن قبة الصخرة إلى غرب منبر برهان الدين. وقد أنشأها علي آغا سنة 1092هـ/1681م.

المجتمع الأندلسي في القرن الرابع الهجري

عاش ابن حَيَّان القرطبي في الفترة ما بين ( 377 – 469 هـ / 987 – 1076 م )

وهي فترة عامرة بالأحداث السياسية حيث شهدت سيطرة الدولة العامرية ، ثم عصر الفتنة ، وسقوط الخلافة الأُمَوية ، وقيام دول الطوائف ، وتفاقم الخطر النصراني ، وتعاظم دور اليهود ، واندلاع النزاعات العرقية والطائفية  وجميعها أحداث أثرت بلا شك في خبرته التاريخية وتركت أثاراً واضحة في ثنايا أعماله ؛ حيث رصد وبدقة مرحلة الفتن والاضطرابات المتتالية في الأندلس فصور الوضع العام بأن الرعية ” عدموا الراعي العَنُوف منذ حِقَب ، فنبذوا السلاح وكلِفوا بالتّرْقيح”  ، ونافسوا في النّشَبِ ، وعطَّلوا الجهاد ، وقعدوا فوق الآرائك مقعد الجبابرة ” ، وتولى الأمر ” جماعة من الأغمار، كانوا عصابةً يحل بها الفَتاءُ  ويذهب بها العُجْبُ” .

وكان الوضع في الأندلس في تلك الفترة قد تغير تغيراً جذرياً ؛ فبعدما كانت الخلافة تجمع بين السلطتين الزمنية والروحية ، جاء الحاجب المنصور ابن أبي عامر ( 370-392هـ / 980 – 1001 م )  وأبناؤه من بعده

فانتزعوا منها السلطة الزمنية  وكانت وفاة عبد الملك (المُظَفَّر)  ابن المنصور العامري فاتحة لفترة مضطربة من تاريخ الأندلس  بدأت بعبد الرحمن (شنجول)  الذي ” ساء تصرفه وأنفق الأموال في غير وجهها ، ونُسِب إليه أباطيل القول والفعل ، واستعان بالعسكر للتحرر من نفوذ العامة  وانتهى الأمر بقتله  ففتح على الأندلس باباً لم يُسَد إلا بانهيار الدولة كلها ، وكان ذلك إيذاناً ببداية نهاية دولة الإسلام في الأندلس .
أن تلك الأزمة ” جديرة بأن تشحذ العقول الذكية ، وتنتج مفكرين مخلصين يصطبغ تفكيرهم بالمرارة ويحاولون البحث عن علة ذلك الداء الذي أوتى منه بلدهم ومحاولة تكوين مشروع سياسي اقتصادي اجتماعي”  ومن هنا ظهر هذا الجيل من أبناء قُرْطُبَة من أمثال ابن حَيَّان وابن حَزْم ، وابن شُهَيْد ممن حاول كل منهم في ميدان علمه تقصى الحقيقة والبحث عن علاج لمحنة بلدهم  ولذا نلمح في كتابات ابن حَيَّان التاريخية شيوع روح النقد لديه ؛ فنراه يعبر عن رأيه وبوضوح ؛ ففي أيام دولة الخليفة ” سليمان المستعين ” وبداية ” الفتنة البربرية ” يذكر أنها كانت : ” شِداداً نَكِدات صعاباً مَشئومات ، كريهات المبدأ والفاتحة ، قبيحة المُنْتَهَى والخاتمة … ”
ويشير ابن حَيَّان في نصوصه إلى النهب الذي حدث بقُرْطُبَة ، واجتياح التدمير بلا حساب أحياء قُرْطُبَة وهو ما كان له أبلغ الأثر في تكوين فكره السياسي ، وانعكس ذلك على كتاباته التي اتسمت بالحدة والحزن فقد كان يعتقد بأن الأندلس ينبغي أن تحتل مكان الصدارة في العالم الإسلامي ، وتشيع هذه الروح في كل كتاباته
وقد زاد من اضطراب الأوضاع في الأندلس – لاسيما قُرْطُبَة – اقتحام البربر  لها ونشر الدمار بها ، ودفعت قُرْطُبَة ثمن مقاومتها أنهارا من الدماء ، وقتل الكثير من أهلها  ودخلت البلاد بعدها في سلسلة من الأحداث واضطربت الأوضاع ، واستمرت النزاعات التي شارك فيها البربر والصقالبة وأهل قُرْطُبَة أنفسهم ، الأمر الذي جعل ابن حَيَّان يكن للبربر كراهية شديدة تشيع على ظاهر صفحات تاريخه ، فهو يندد بقسوتهم وحقدهم الدفين على الدولة الأندلسية ، ورغبتهم في نقض بناء الحضارة الأندلسية منذ أول لحظة يتهيأ لهم فيها ذلك  وقد تتبع ابن حَيَّان تلك الأحداث وفى تفصيل دقيق .
وانتهت هذه المرحلة في سنة 417 هـ / 1026 م ، حين أجمع أهل قُرْطُبَة برئاسة الوزير أبو الحَزْم بن جَهْوَر على رد الأمر إلى بني أُمَيّة واتفقوا على مبايعة هشام بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الناصر وتلقب بالمستظهر وبعد ذلك خرج عليه ، محمد بن عبد الملك (المُسْتَكْفي ) سنة 414 هـ / 1023 م ، ويذكر ابن حَيَّان عن الخليفة المستكفى قوله : ” ولم يكن هذا المستكفى من هذا الأمر في وِرْدٍ ولا صَدَر ، وإنما أرسله الله تعالى على أهل قُرْطُبَة محنة وبلية ”  وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على متابعة ابن حَيَّان للأحداث ورصدها بصورة شبه يومية وبطريقة ناقدة .
ونتيجة لتلك الأحداث تقلصت بالضرورة قوة السُلطة في الداخل  وهو ما انعكس أيضاً على فكر ابن حَيَّان؛ فحاول مثل غيره من المؤرخين النابهين من أمثال ابن حَزْم أن يعمل على تحقيق وحدة الأندلس وتقوية سلطة الخلافة من جديد فنراه يعتد “بالجماعة” أو وحدة الأندلس ؛ ولذا كان يستخدم كلمة الجماعة مراراً وتكراراً فيقول : ” سلطان الجماعة ” و” إمام الجماعة ” و”أمير الجماعة ” .
وبينما كان البناء السياسي للأندلس يتصدع شيئاً فشيئاً أثناء فترة الصراع على الخلافة بين من ادعاها من أفراد البيت الأُمَوي ومن أعقبوهم من بني حَمّود انهار البناء السياسي جملة ، وضاعت الوحدة ، وتفرق أمر الجماعة  وفي تلك الأثناء اجتمع شيوخ قُرْطُبَة والوزراء برئاسة أبي الحزم بن جَهْوَر واتفقوا على خلع المُعْتَد بالله – آخر خلفاء بني أُمَيّة – وإبطال رسم الخلافة جملة  ونودي في الأسواق والأرباض ؛ ألا يبقى بقُرْطُبَة أحد من بني أُمَيّة ، وألا يكنفهم أحد من أهل المدينة ، وانتهى بذلك أمر بني أُمَيّة في الأندلس وزالت خلافتهم وانقطعت الدعوة لهم  وأثرت تلك الواقعة تأثيرا بالغاً في فكر ابن حَيَّان ، وجعلته يتابع مصير دويلات الطوائف ، ويرصد العديد من الوقائع ، وركز على انفراط وحدة الأندلس وتفرق ملكها إلى دويلات طائفية واقتسامهم ألقاب الخلافة ؛ فوصفهم ابن حَيَّان بأنهم : ” أُمراء الفرقة الهمل الذين هم ما بين فشل وَوَكَل”
أما في قُرْطُبَة فقد اجتمع كبار أهلها بعد إلغاء الخلافة ، وأسندوا الأمر إلى ابن جَهْوَر ، وكان مشهوراً عندهم بجدارته وكفاءته لتقلد هذا المنصب  وابتكر لأهل قُرْطُبَة نظاماً جديداً للحكم قائماً على الشورى ، ورأى ابن حَيَّان أنه لم يستبد بالسلطة كما استبد غيره من ملوك الطوائف ، وإنما كون مجلساً للحكم من شيوخ أهل قُرْطُبَة وانتخب أميناً لهذا المجلس ، وكان لا يصرف أمراً إلا بعد الرجوع إلى جماعة الشيوخ هؤلاء  وكان من جراء ذلك أن اختار ابن حَيَّان المقام في قُرْطُبَة في ظل الجَهاوِرَة لأنهم في نظره خير بيئة يستطيع فيها أن يسجل أحداث عصره ، وفيها استطاع أن يعبر عن سلبيات المجتمع الأندلسي خاصة بعد تمزق الأندلس على هذا النحو ، وقد انتقد ملوك الطوائف فى عصره خاصة في تربص بعضهم لبعض ، واستعانتهم بالنصارى لتنفيذ مخططاتهم .
وبصفة عامة – وكما يرى الدكتور محمود إسماعيل – أن ” الانتكاسات التاريخية في حياة الشعوب ليست شراً مستطيراً على طول الخط ؛ بل قد تسفر عن ايجابيات بصدد الفكر وتطوره ، إذ غالباً ما تفضي إلى استنفار النخبة المفكرة لاستقراء أسباب وعلل تلك الانتكاسات ”
وعلى الصعيد الاقتصادي وبعد انهيار وسقوط الخلافة حدثت الانتكاسة وعم الكساد الاقتصادي  وتدهور العمران ، وحفل العصر بالأزمات إلى حد المجاعة وأفل نجم قُرْطُبَة عمرانياً وبشرياً ، وصور ابن حَيَّان الوضع قائلاً : “… وطمست أعلام قصر الزهراء ….. فطوى بخرابها بساط الدنيا وتغير حسنها ، إذ كانت جنة الأرض ،فعدا عليها قبل تمام المائة من كان أضعف قوة من فارة المسك ، وأوهن بنية من بعوضة النمروذ ، والله يسلط جنوده على من يشاء ، له العزة والجبروت ”
وتحولت المدن التجارية المزدهرة إلى قلاع وحصون عسكرية  الأمر الذي لقي تنديد ابن حَيَّان ، ويشيع ذلك في صفحات كتابه ” المتين ” ومثال على ذلك ما أشار إليه في فطنة بالغة عن سوء الأحوال الاقتصادية نتيجة الوضع المتردي في بمدينة بَطَلْيَوْس  نتيجة النزاع بين المعتضِد بن عَبَّاد والأَفْطَس ؛ فقال : ” بقيت بَطَلْيَوْس مدةً خالية الدكاكين والأسواق من استئصال القتل لأهلها في وقعة ابن عَبَّاد هذه بفتيان أغمارٍ إلا الشيوخ والكهول الذين أصيبوا يومئذ . فاستدللت بذلك على فشو المصيبة فتوقع برؤية ثاقبة عما سيحل بعد ذلك من كوارث اقتصادية .
وانتشرت في الأندلس ” الكُوَر المجندة ”  نتيجة لكثرة الحروب الأهلية، فنزل جند دمشق في كورة إلْبِيرَة  وجند حَمْص في كورة إشبِيلِيّة  وجند الأردن في كورة مالطة ، وجند قِنَّسْرِين في كورة باجة وبعضهم بكورة تُدْمِير فهذه منازل العرب الشَّاميين، وبقي العرب والبربر والبلديون شركاءهم ، كما تعاظم “إقطاع التجار” نتيجة شرائهم بعض إقطاعات الخلفاء والولاة . وفي ظل هذا الحكم اضطرب الوضع الاقتصادي ، واشتد الغلاء وانتشرت الأوبئة ، وعمت الكوارث ، وانعدم الاستقرار والأمن .
ولجأ الملوك من أجل إرضاء نزواتهم وتحقيق لذاتهم إلى إثقال كاهل رعاياهم بالضرائب  فانعكس ذلك الوضع على كتابات ابن حَيَّان فوصف ذلك الوضع المتردي في مرارة واضحة بقوله ” فما أقول فى أرض فسد ملحها الذى هو المصلح لجميع أغذيتها ؟ هل هى إلا مشفية على بوارها واستئصالها ؟ ولقد طمى العجب من أفعال هؤلاء الأمراء … أمور لو تدبرها حكيم إذن لنهى وهبب ما استطاعا
وعلى الصعيد الاجتماعي شهد المجتمع الأندلسي في ظل الخلافة والحِجابة مرحلة المزج والانصهار بين العرقيات المتنوعة ليحدث نوع من التجانس لم تشهده الأندلس من قبل ؛ إلا أن السخائم العرقية والإقليمية عادت مرة أخرى لتؤثر سلبياً في هذا التجانس، ولتمزق وحدة الأندلس من جديد بظهور النزعة العنصرية ؛ ولذا لم يغب عن ابن حَيَّان أيضاً أن يعبر عن تلك النزعة في الأندلس في تلك الفترة وذلك من خلال حديثه عن اجتماع خازني بيت المال في عهد الأمير محمد ، وهما ” عبد الله بن عثمان بن بسيل ، ومحمد بن وليد بن غانم ” واستدعى الأمر أن يكتب ابن غانم كتاباً قدم نفسه فيه ، فما كان من ابن بسيل إلا أن قام له : ” والله لا أطبع كتاباً تتقدمني أنت فيه ، وأنا شامي وأنت بلدي ”
ويشير أيضاً إلى الفتنة بين اليمية والمضرية فقال : ” وكان ابتداء فتنة أهل الجزيرة وانبعاثها بالمعصية بين اليمانية والمضرية أن أطلق بعضهم على بعض الغارات واستحلوا الحرمات وتخلقوا بأخلاق الجاهلية ، واتخذوا الحصون والمعاقل المنيعة فارتقوا اليها وأذلوا البسائط ”
وقد كانت هناك طبقة الأُمراء والحكام وذوو الثراء وأصحاب الوظائف الكبرى ، وكانوا يمتلكون ثروات طائلة تمثلت في الضياع الواسعة ، والقصور الخاصة ، وتفننوا في صنوف من البذخ  والناظر إلى روايات ابن حَيَّان يجد أن الغالب عليها تصويره مثالب الطبقة الحاكمة ، ولم يغب عنه تصرفات الحكام وشغفهم بالبناء إلى حد الإسراف والبذخ ويتضح هذا ـ فيما نقله عن معاوية بن هشام ـ عند ذكره لقيام الأمير محمد بتحسين قصر الخلافة فيقول : أنه بلغ من تحُسَينه إياه مبلغاً ” تَوَفَّتْ به الكمال ، واكتسبت الجمال ، فشفيت به أدواء النفوس ، وضرب بحسنها المثل ”
كما رصد بن حَيَّان انحراف الحُجاب والوزراء ، واستطاع أن يلقي الضوء حول طبيعة حياة الأمراء من خلال المعايشة ، وقد أشار إلى ما أصاب أهل الأندلس من نفاق وقلة وفاء وميل مع من يبقى في المنصب ، كما لم يغب عنه أن يصور بعض تجاوزات الولاة وظلمهم كما صور دور الجواري في بلاط حكام الأندلس ، وانتقد ما كان يقمن به من دسائس وهذه الرؤية النقدية ما كانت لتحدث لولا ظروف عصره التي دفعته إلى ذكر ما وصل إليه حال الأندلس من انقسام وتفكك
ونراه لا يغفل الإشارة إلى حال ” مشيخة الشورى ” أواخر عهد الخلافة الأُمَوية بالأندلس ، ويتضح هذا عند حديثه عن الخليفة هشام المُعْتَد الذي يقول عنه : ” وزاد فى رزق مشيخة الشورى من مال العين ، ففرض لكل واحد خمسة عشر ديناراً مشاهرة ، فقبلوا ذلك على خبث أصله ، وتساهلوا فى أكل ما لم يستطبه فقيه قبلهم ”
وكانت هناك طبقة أخرى تعاني ألوان العسف والتنكيل ، ويطلق عليهم لقب العوام وهم الفئة المهمشة في التاريخ ولا يأتي ذكرهم في الغالب الا عند التأريخ للكوارث كالمجاعات والأوبئة ، أو من خلال ذكر حركات المعارضة التي جري تهميشها بالمثل ودمغها بأبشع التهم والنعوت  وتتكون هذه الطبقة من الفلاحين في الريف والحرفيين والعمال في المدن وأغلبها من البربر أو المولدين  أو الموالي وكان على هذه الطبقة أن تتحمل أعباء ضرائب باهظة كانت تُفرَض عليها وكانت تقوم بينهم وبين الدولة هوة سحيقة من سوء الظن وعدم الثقة  وكان لهذا التدني أثره على ابن حَيَّان في معارضته لهذه المظاهر في كتبه وتنديده بفاعليها  ويقول واصفاً أحد هؤلاء المغالين في جمع الضرائب : ” ونعي إلينا فلان، وكان فظاً قاسياً ظنيناً جشعاً جباراً مستكبراً قليل الرحمة نزر الإسعاف زاهداً في اصطناع المعروف، أحد الجبابرة القاسطين على الرعية، المجترين على رد أحكام الشريعة وكان مهلكه – زعموا – من طاعونة طلعت عليه ببعض أطرافه، فتجاسر على قطعها بفرط جهالته، فمات معذباً في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد
تعددت مجالات المعرفة الاجتماعية والثقافية التي طرقها ابن حَيَّان عكست لنا ألواناً من الحياة الأندلسية الاجتماعية والثقافية ، ويعتبر تاريخه الكبير أدق وثيقة مفصلة للحياة الثقافية والفكرية للأندلس ؛ فنراه يرصد العديد من الظواهر الاجتماعية عندما يصور شرائح المجتمع بما فيها من صور الوشاية ، والذم ، والمكائد ، وفساد القضاة ” وقد انطبقت أرض الأندلس نفاقاً واستعرت خلافاً ذلك بإغفال من كان قبله لحسم من كان ينجم من قرن النفاق حتى تفاقم الأمر بعد تطاوله ، وتفاوت الشئ بعد قرب تداركه واستعجل شر عمر بن حفصون جرثومة النفاق وانتزى أكثر بلاد الأندس اقترانه .
ومن الأقوال التى ذكرها ابن حيان ، والدالة على وجود شهادات الزور فى الأندلس ، حديثه عن ” محمد بن غالب ” من أهل إستجة ، كان قد طلب من الأمير عبد الله بناء حصن بقرية ، شنت طرس ” ، وهدفه من ذلك حماية الطريق ، ومنع المفسدين وقطاع الطرق من إلحاق الأذى بالمسلمين ، وعندما تم بناء الحصن حسده ، بنو خلدون وبنو الحجاج ” وقامت الحرب بينهما ، وادعى بنو حجاج على إثر هذه الحرب أن محمد بن غالب أغتال رجلاً من قرابتهم ….. واستدعوا عليه الشهادات المزورة .
كما عكس الصراع الذي كان يدور بين الفقهاء والخليفة وكيف أن الخليفة كان يكره أن يكون القاضي قوياً ، وهو ما صوره تحت عنوان ” نوادر من أخبار قضاة الأمير عبد الرحمن “. ومن هذه النوادر أيضاً نستشف النفوذ القوي الذي كان يتمتع به الفقهاء في الدولة ، والدليل على ذلك أن الأمير عبد الرحمن قلما يولي قاضياً إلا عن مشورة يَحْيىَّ بن يَحْيىَّ اللَّيثِي وفي ذلك يقول ابن حَيَّان : ” وغلب يَحْيىَّ بن يَحْيىَّ جميعهم على رأي الأمير عبد الرحمن ، وألوى بإيثاره ، فصار يلتزم من إعظامه وتكريمه وتنفيذ أموره ما يلتزم الوالد لأبيه ، فلا يستقضي قاضيا ، ولا يعقد عقدا ، ولا يمضي في الديانة أمرا ، إلا عن رأيه وبعد مشورته ” .
كما صور لنا بخل الأمير عبد الله بن محمد ، وشيوع حوادث الرشوة بالغصب في عهده ، كما صور بعض معايب عبد الرحمن الناصر وتبرز استهتاره باللذات وتغليظ العقوبات ، وتهوين الدماء ، والعبث في الرعية. ونرى ذلك أيضاً عندما يتحدث عن النسـاء وشغف الأمير عبد الرحمن بهن فيقول : ” كان الأمير عبد الرحمن مُستهتراً بالنساء ، شديد الميل إليهن ، والإعجاب بهن ، والبذل لهن ، والاستكثار منهن ، والهوى فيهن ” .
كما سجل مظاهر الاحتفال بالأعياد والمناسبات وكيف كان الشعراء والخطباء في هذه الاحتفالات ” تتناغى فيما ترتجل من خطبها وتنشد من أشعارها فتكثر وتجيد ” ، أما الاحتفال الرسمي من قِبَل الخلفاء بالأعياد فقد أطنب في وصفها ابن حيان .
ولم يغب عنه أن يعبر عن مظاهر البذخ التي كانت تتسم بها حفلات استقبال الحكام الأندلسيين لمن يفد عليهم ، ولذلك يقول عن يوم استقبال الخليفة الحكم المستنصر لجعفر بن على ومن معه إنه : “أحد الأيام العقم بقُرْطُبَة في اكتمال حسنة وجلالة قدره ، خلد حديثه زمناً في أهلها ، قاضياً من عجب الجلالة ، وكل شيئاً فإلى انقضاء إلا إله الأرض والسماء تعالى جده.
ومن الصور الاجتماعية التى اهتم ابن حيان بتسجيلها فى تاريخه حفلات المجون والتبذير للأمراء والخلفاء والوزراء ؛ منها على سبيل المثال حادثة احتفال المأمون بن ذى النون بإعذار حفيده يحيى ، تلك الحادثة التى احتلت عدداً غير قليل من الصفحات، يقول فى الإعداد لها : ”
وأمر ـ المأمون ـ بالاستكثار من الطهاة والاتقاء للقدور ، والإتراع للجفان ، والصلة لأيام الطعام ، والمشاكلة بين مقادير الأخباز والآدام ، والإغراب فى صنعة ألوانها ، مع شياب أباريقها بالطيوب الزكية ، والقران فيها بين الأضداد المخالفة ما بين حار وبارد ، وحلو وحامض ،والمماثلة بين رائق أشخاصها ، وبين ما تودع فيها من نفائس صحافها ……… ” .
وكان المدعوون إلى هذه الاحتفالات التى استمرت أياما أشتاتا من الناس من صفوة وعامة , وقد لقى الجميع من الاحتفاء بهم والتكريم لذواتهم ما يمكن أن يشابه ترتيب إدارات المراسم والتشريفات بالقصور الملكية ووصف ابن حيان طائفة القضاة على المائدة فى غرفة أسرف وفى وصفها ، فإذا انتهوا من الطعام يكمل الجانب التالى من رحلة الدعوة على هذا النحو : ”
ولما فرغت تلك الطائفة جئ بهم إلى المجلس المرسوم لوضوئهم ، وقد فرش ايضا بوطاء الوشى الرقوم بالذهب ، وعلقت فيه ستور مثقلة مماثلة …… ثم نقلوا إلى مجلس التطييب ، أفخم تلك المجالس ، وهو المجلس المطل على النهر ، العالى البناء ، السامى السناء ، فشرع فى تطييبهم فى مجامر الفضة البديعة بفلق العود الهندى ، المشوبة بقطع العنبر الفستقى ، بعد أن نديت أعراض ثيابهم بشابيب الماء الورد الجورى ، يصب فوق رؤوسهم من أوانى الزجاج المجدود ، وفياشات البلور المحفورة “.
والذي يعنينا من هذا النص أمور كثيرة ، من أهمها الإسراف ، والذى يتابع القصة بأكملها حسبما رواها بتفصيلاتها ومجالس القصف فيها وإنشاد الشعر فى مناسبتها وما قد خلعه الأمير عليهم برغم تدنى أشعارهم ، كل ذلك كان هدفا من أهداف أبى حيان فى تعرية ملوك الطوائف الذين يقتلون المال والبشر ، ويقاتل بعضهم بعضاً والعدو متربص بهم ، متحفز على أبوابهم .
وكشف ابن حيان عن دور العنصر النسائى فى بلاد الأندلس ، مثلما صور ما كانت تقوم به جارية الخليفة الناصر ” مرجان ” ، من حيل ضد السيدة فاطمة القرشية بنت أخى جده المنذر بن محمد الأمير ، وكان الناصر يقول لجاريته مرجان هذه : ” فاقتادينى إلى قصرك فإنى طوع يمينك وحبيس هواك ، وكان ذلك على إثر الحيلة التى دبرتها لصرفه عن ابنة عمه فاطمة القرشية ، ويقول ابن حيان عن هذه الجارية معتمداً فى ذلك على ما قاله القبشى : فتقدمت لديه جميع نسوانه حتى كانت كرائمه وحظاياه لا يصلن إلى مطالبهن ورغباتهن من الناصر لدين الله إلا بشفاعة مرجان لهن ، وتوسلهن بها لديه للطف منزلتها وغلبتها على قلبه …………
وصور لنا مكانة الجواري في المجتمع الأندلسي فيورد لنا قصة الجارية مرجان التي كانت من أحب الجواري إلى قلب الخليفة الناصر وأنجبت له ابنه الحكم ، فكانت أثيرة الخليفة لا يسلو بدون رؤيتها ولا يكتم علها سراً ، وإذا مرض حُمِل إلى بيتها .
وقد أمدنا ابن حيان بسيل من النصوص ، على جانب كبير من الأهمية وتكشف النقاب عن الوضعية الاجتماعية لعدد كبير من فئات المجتمع الأندلسي ومنهم على سبيل المثال : الفقهاء حيث أماط اللثام عن النفوذ الاجتماعي – والسياسي بالطبع – للفقهاء ، وكيف كان الأمراء والخلفاء يخشون تقلب الفقهاء عليهم مثلما أورد فى ما نقله من كتاب الاحتفال ما يشير إلى أن الأمير عبد الرحمن بن الحكم كان يكره تألب الفقهاء عليه …… ويقلق منهم ويسميهم سلسلة السوء ” .
وابن حيان لا يغفل أيضاً ذكر الآثار المترتبة على النواحى السياسية من إصابة المؤدبين وكساد الناحية التعليمية للصبيان والمؤدبين ،هذا فضلاً عما تكشف عنه روايته من قتل المغنيين والطنبوريين ، وهذا يشير إلى ألوان البذخ واللهو فى الأندلس فى ” فترة الفتنة ” .
واستطاعت روايات ابن حيان التاريخية أن تكشف عن إزدواجية الشخصية الأندلسية ، وذلك عند حديثه عن ” عبدالله بن عاصم ” صاحب الشرطة بقرطبة ، على عهد الأمير محمد ، الذى مر به ، يوما فتى حسن الشارة يترنح سكراً ، فأمر بأخذه ، فوجدت به رائحة الشرب ، فأمر بجلده ، فلما جُرد للجلد أقبل على ابن عاصم ، فقال له : ناشدتك الله ، من الذى يقول :
إذا عاب شرب الخمر فى الدهر عائب فلا ذاقها من كان يوما يعيبها
فقال له ابن عاصم : أنا ، وأستغفر الله منه ، فقال له الفتى : فلا تستحيه عن وجهه حين تغرى بالشرب وتحض عليه ، ثم تكشف عنه وتعاقب فيه ؟ فأفحمه ودرأ الحد عنه .
وما أكثر ما ترد فى ثنايا تاريخ ابن حيان ملاحظات وتعليقات نفذ بها إلى الكشف عن العيوب الدفينة فى المجتمع الأندلسي ، هذه العيوب التى أدت شيئا فشيئاً إلى تحللها وتصدعها ، وكأنه السرطان الخفى يستشرى فى باطن جسد ظاهره الصحة والقوة . وهى عيوب بدأت منذ أيام الحكم المستنصر ، ثم استفحل داؤها على عهد الدولة العامرية . غير أن الأمجاد العسكرية والقوة الظاهرية كانت تلقى عليها حجابا كثيفا سترها عن الأنظار . لقد كانت الفتنة تحثم تحت هذه القشرة الظاهرة من القوة والعظمة ، فلما تصدعت واجهة الدولة بعد وفاة المظفر بن المنصور بن أبى عامر إذا بهذا البنيان الشامخ ينهار فى لحظات ، وإذا ينير ان الفتنة المبيرة تندلع معلنة بداية نهاية الإسلام فى الأندلس .
كما رصد سوء الأحوال الاقتصادية المترتبة على المنازعات والحروب خاصة بين ملوك الطوائف ؛ فنراه يصف ما حدث بمدينة بَطَلْيَوْس نتيجة النزاع بين المعتضِد العَبّادي والأَفْطَس بأنها ” مصيبة ” ، حيث ” خلت الدكاكين والأسواق ” . ويصف القسوة التي استخدمت في جمع الضرائب غير الشرعية بمدينة شاطبة بكل أنواع العنف حتى تساقطت الرعية ولم تصمد في وجه هذا الظلم” . ومن هنا يتضح مدى اهتمام ابن حَيَّان برصد الجوانب الاقتصادية دون الاقتصار على الجانب السياسي فقط .
كما أرخ للوضعية الجبائية والمالية مثل ما أرخه حول الوضعية الجبائية والمالية للدولة العامرية ؛ فيقول ابن الخطيب في أعمال الأعلام : ” ذكر أبو مروان خلف رحمه الله في كتابه …المسمى بأخبار الدولة العامرية … فقال : ” كان مبلغ جباية آخر أيام المنصور أربعة آلاف دينار سوى رسوم المواريث بقُرْطُبَة وكور الأندلس كانت تجري على الأمانة وسوى مال السبي والمغانم على اتساعه في هذه وسوى ما يتصل به السلطان من المصادرات ومثل ذلك مما لا يرجع إلى قانون ، قال : وكانوا يعتدونها أربع بيوت تأخذ النفقات السلطانية منها على المشاهرة بالزيادة والنقصان ما بين الشهر والشهر مائتي ألف دينار إلى مائة وخمسين ألفا إلى أن يدخل شهر يونيه العجمي فيتضاعف فيه الإنفاق من اجل الاستعداد لغزو الصائفة فينتهي منه إلى خمسمائة ألف دينار وأكثر منها وما فضل من المال بعد جميع النفقات أحرزه السلطان في بيت ماله مع غير ذلك من ضروب استفاداته ، كما تعرض للحديث عن أهل البيوتات الذين اتخذوا الضياع الواسعة منهم بني حجاج الذين امتلكوا في ” باديتهم بالسند المنسوب اليهم على خمسة عشر ميلاً من الحاضرة “، وكذلك ” الإلهانيين والمعافريين وبني خلدون الإشبيليين اللذين اكتسبوا الضياع سواء بالبادية أو الحاضرة ” ، ويكشف ابن حيان النقاب عن قرى بأكملها تملكها ” كريب بن عثمان ” بكورة مورو ومثله أيضاً كان سليمان بن محمد الشذوني.
وتعرض أيضاً لذكر ” الذكوات والصدقات ” التي يتكلف الجباة بتحصيلها من الفلاحين وحتى تتمكن الخلافة من تغطية نفقات الحملات الحربية استحدثت ” مغرم الحشد ” الذي عم الجميع باستثناء المطوعة .
كما تعرض ابن حَيَّان لرصد المجاعات والأوبئة ؛ بل ويفسر سببها بدقة
أما الحالة الثقافية فالعجيب أنه وعلى النقيض من الوضع السياسي ؛ لم تكن الثقافة الأندلسية يوماً أشد إشعاعاً ، وأقوى خصوبة كما كانت عليه في تلك الفترة ففي الغالب تكون الأزمة “تحدياً” يوجب ” الاستجابة ” – حسب مفهوم ” أرنولد توينبي” وغالباً ما تناط النخبة المفكرة بريادة الاستجابة على الصعيد المعرفي
ويجمع الدارسون على ازدهار الحركة الثقافية في عصر ملوك الطوائف وذلك راجع إلى تداعيات وظلال العصر السابق ، بما يؤكد أن الظواهر الفكرية في تطورها وفي أفولها تحتاج إلى فترة زمنية طويلة
هذا وقد مجد الأندلسيون العلماء والفقهاء ورجال الأدب ، وكان لهؤلاء القيادة والريادة في المجتمع الأندلسي وقد تعصب ابن حَيَّان للمذهب السني المالكي – وهو المذهب الرسمي للدولة – الذي دخل إلى الأندلس في حياة الإمام مالك نفسه، وذلك بفضل من درسوا عليه من تلاميذه الأندلسيين ونقلوا كتابه ” الموطأ” ، وهم على التوالي الغازي بن قيس(ت 199/815) ، وزياد بن عبد الرحمن اللخمي الملقب بشبطون ، ( ت204 هـ / 819 م ) ، وهو أول من أدخل مذهبه فى الأندلس ، ويَحْيىَّ بن يَحْيىَّ اللَّيثِي ( ت234هـ / 848 م ) ، وساهم غيره من الفقهاء فى انتشار المذهب المالكى أيضاً مثل : عيسى بن دينار الغافقي الطليطلي( ت 212 هـ / 827 م ) ، ويكمن أثر المذهب المالكي في الأندلس بكونه أهم المحاور التي دارت حولها المؤلفات الأندلسية المبكرة ، شرحا وتوضيحا لكتاب الموطأ ، ودراسة لرجاله وأسانيده ، ودفاعا وانتصارا له ، وتأليفا حول المذهب بشكل عام وكان ابن حَيَّان من أشد المتحمسين لذلك المذهب ، وانعكس ذلك بوضوح على كتاباته ويظهر ذلك في هجومه على أتباع المذاهب الأخرى أصحاب ” الطائفة الخبيثة ” ” المارقة ” مثل حركة ابن مسرة ” الظنين المرتاب ” و ” المرائي بالعبادة ” الرابض بالفتنة ” ” القادح في السُنة ” . واعتبر المعز لدين الله الفاطمي ” صاحب إفريقية الممد في الضلالة ” ، ونظر إلي الفواطم عموما باعتبارهم “أهل الضلالة “. كما تحامل على أمراء المغرب المواليين للفاطميين ، فنعت الحسن بن قنون ” بالمارق ” ولعن صاحب نكور ” قبحه الله ” ووصف النكوريين ” الفاسقين ” .
كما تناول مشكلة الإمامة والخلافة ؛ فكان يرى ضرورة أن يكون ” خليفة المسلمين من قريش ” ، وحيث أن الأُمَويين من قريش ، وكانوا بالفعل ممثلين في شورى الإمامة ، فان الخلافة حق من حقوقهم ، بل يزيد فيجعل خلفاء بني أُمَيّة امتداداً طبيعياً لخلافة الراشدين فأقاموا رسوم السُنة ، وأحرزوا وظائف الديانة ”
وكان يرى ثلاث مهمات كبرى للخليفة : عسكرية وإدارية ومدنية ؛ ولذا نراه يصف حال أهل طُلَيطِلَةُ وما نالهم من الذل على أيدي العدو الإفرنجي بعد استقرار دول ملوك الطوائف أنهم ” عدموا الراعي العنوف ” ، ويقول في معرض مدحه لمسلك أبي الحزم ابن جَهْوَر في إدارة الأمور بقُرْطُبَة إن أهل قُرْطُبَة ” ولو من الجماعة أمينها المأمون عليها” ؛ أما اللقب الذي يطلقه على الناصر ” مجمع الفرقة ” ؛ فالقيام بجهاد العدو هو الذي جعله معجبا أشد الإعجاب بالناصر والمستنصر والمنصور العامري وابنه عبد الملك المُظَفَّر ، ويجعل الجهاد مطلب أساسي للأمة في مناطق الثغور ، إذا لم يلتقطه الإمام ويدفع به من القوة إلى الفعل فمن شأن ذلك الإمام أن يسقط ، فإذا قام غيره بتولي هذا الدفع ؛ فإن الأمة تلتف حوله ويصبح هو صاحب السلطة الفعلية في البلاد . وما حدث سنة 366 هـ / 976 م إثر وفاة الحكم المستنصر وتولي ابنه هشام المؤيد الخلافة نظرياً ، خير دليل على ذلك ؛ حيث تولى الأمر المنصور العامري لأنه قام بالجهاد ملبيا لطلب الأمة وهيأه لإمامة المسلمين فأورد عنواناً لذلك وهو : ” ذكر دفاع ابن أبي عامر العدو ، وقيامه بالجهاد دون الجماعة وتوصله بذلك إلى تدبير الملك “.
كما أدلى بآرائه فى حركات المنتزين – الثائرين – فى الأندلس والمغرب ، وهى فى نظره حركات خارجة عن السنة والجماعة فى الأندلس ، فمن هؤلاء المنتزين من كان هدفه ” السعى فى الأرض بالفساد والاستحلال لغنائم المسلمين ، ومنهم من كان يسعى إلى ” قطع السبيل وإشاعة الفساد فى الأرض وسفك الدماء .
ويتحدث ابن حيان عن ” سعيد بن سليمان بن جودى ” أمير العرب المنتزين بمدينة غرناطة ، ويذكر عنه ما قاله ولده عبد الله فيه من شغفه بالجوارى ، وأنه كان : ” مقدماً لهن على جميع لذاته ، ويمضى فى ذكر شغفه بشرائهن وأشعاره فيهن ويبدو فى رواية ابن حيان هذه التلازم بين الظروف السياسية وثوارت المنتزين ، والأثار المترتبة على ذلك من حيث التفكك القيمى والأخلاقى الذى أصاب المجتمع فى بعض أنماطه .
وقد تعرض لتراجم العلماء وقد قل من تجده متبحراً في علم واحد أو علمين ؛ بل فيهم من يعد من الفقهاء والمحدثين والفلاسفة والأدباء والمؤرخين واللغويين ولم يقتصروا على العلوم النظرية بل كانت لهم دراسات في علوم عملية  كالفيزياء، وعلم العقاقير، والزراعة (علم الفلاحة) والذي أبدعوا فيه وصنفوا التصاميم المشهورة، مسجلين ما توصلت إليه تجاربهم في النباتات والتربة
وهذا التعدد المعرفي لعب دوراً مهماً في إثراء فكر ابن حَيَّان خاصة وأنه كان مكثرا من الاطلاع على تلك الكتب، وسهلت له تلك النهضة العلمية الاطلاع على تاريخ الممالك النصرانية أيضاً ، مما يرجح أنه كان يعرف عجمية الأندلس وأن ” ما أورده ابن حَيَّان من أخبار عن إسبانيا  النصرانية ينم عن معرفته الدقيقة بكل أحوالهما وأنساب حكامها
وكان لكثرة مطالعاته التاريخية أن تجنب الروايات الخرافية والأسطورية ولم يشع ذلك في كتاباته ؛ مما كون وعى تاريخى ناقد لديه ومكنه من أن يصور ما وُجد فى البلاط الأندلسي من دسائس وفتن بين الحجاب والوزراء تصويراً نقدياً لا يعتمد على القص فقط .
ومن الناحية الثقافية : قام ابن حَيَّان بالترجمة لمشاهير الأدباء والشعراء وأعلام الفكر ، وأورد الكثير من نظمهم سواء كان نثراً أو شعراً ؛ ثم يقوم بعرض جمل من أخباره مثل ترجمته لعباس بن فرناس الذي ” نادم الأمير عبد الرحمن بن الحكم وجالسه ، وصديقه مؤمن بن سعيد الشاعر، وكذلك ترجمته للشاعر يَحْيىَّ الغزال وقد وصفه وصف الناقد البارع الحصيف فقال : ” …….
وكان مقتدراً على الشعر ، سلس الطبع فيه ، يُصرفه فى ضروب الشعر بحلاوة لفظ ، وملاحة معنى وغُزر مادة . وأكثر شعره محمول على الدعابة والهزل ، فلذلك خرج بعضه بألفاض عامية مبتذلة . وهو فيما روى ونقح محسن مُجود وكان على نصاعة أدبه ، عالماً مُفتنا جزلا ، متكلماً عريضاً مُندراً ، كبير الغور ظريف الخبر ، خالد الذكر فى الأعصر البائدة ” .
ونجده يتعرض لذكر مجالس الغناء ، و” خبر زِرْياب “، و ” المطربين ببلد الأندلس ” ، ويروي ذكر جلساء الأمير عبد الرحمن بن الحكم وسُماره الدانين إليه من شعراء أهل زمانه وأدبائهم ، ونبذ من نوادرهم وأشعارهم مما خالطه من أخبارهم .
ويسرد أخبار الشعراء ، مع الأمير عبد الرحمن بن الحكم وبعض ما سقط إلينا من أماديحهم له من ذلك ” خبر يَحْيىَّ بن حكم الغزال في إرساله إلى ملك الروم “.
ويشير أيضاً إلى شغف الأمير عبد الرحمن بن الحكم بعلم الهيئة ، ومطالعته للكتب القديمة ، صاغياً إلى علم التنجيم ، واقفاً على سنن التعديل ملياً ، يسأل علماءه عن الأدلة ، مولعاً بالوقوف على أقوالهم في أحكامه ، مقرباً لحذاق المنجمين في زمانه ، آنساً بهم ، محسناً إليهم ، مستريحاً إلى تعديلهم لأوقات حركاتهم ، وإنذارهم من طريق أقضيتهم بمساعده ومناحسه …….وكان من مشهور في زمانه ومن قبله عباس بن فرناس ، ذو الأنباء الشنيعة ، وعبد الواحد بن إسحاق الضَّبِيّ ، ذو النوادر البديعة ، ومروان بن غزوان ، ومحمد ابن عبد الله ، وعبد الله بن الشمر بن نمير نديم الأمير ، السابق في حلبتهم الزائد في تمام خصاله الأدبية على جماعتهم . فقد كان فيما ينتحلونه من علمهم إماماً لهم ، معدوداً في وجوههم ، يعول الأمير عبد الرحمن عليه في تمييز . غيب ما يطرقه من شؤونه ، ويساوره من خطوبه ، فلا يزال يبلو من صدق إصابته ، وصواب رجمه ، ما يطول منه تعجبه ، ويكثر من أجله تسآله ، فله معه ومع من سمينا من الوزير عبد الرحمن بن يَحْيىَّ الأصم ، والنعمان بن المنذر وغيرهما من رجالهم ، وما لدى أصحابه وغيرهم في هذا الباب نوادر مستغربة .
كما أشار إلى أن عبد الرحمن الأوسط أول من اتخذ كاتباً خاصاً له وسار الأمراء والخلفاء من بعده على هذا النظام حتى سقوط الخلافة.
ويحوي كتاب المقتبس بين دفتيه أيضاً تراجم عديدة لطبقات الفقهاء الأندلسيين منذ فتح الأندلس وحتى عصره معتمداً على مصادر متعددة ، كما رصد لنا ابن حَيَّان انتقال الفتاوى بالأندلس من رأى الأَوْزاعيّ، وأهل الشَّام بالكلية ” فحولت إلى رأى مالك وأهل المدينة . وانتشر رأى مالك بقُرْطُبَة ، وعم بلاد الأندلس “.
ورصد أيضاً مجالس العلم والتعليم بالأندلس ، وأخذ العلم على يد الشيوخ والفقهاء ، وأكد على أن الحكم المستنصر قد أمر ب ” تحبيس حوانيت السراجين بسوق قُرْطُبَة على المعلمين الذين قد اتخذهم لتعليم أولاد الضعفاء والمساكين بقُرْطُبَة” .
وهذا يعني أن الدولة قد تبنت تخصيص مصروفات للمدارس ، والمستعرض لكتاباته يتضح لنا مدى ما وصلت اليه الأندلس من احترام العلماء والفقهاء ورجال الأدب ، وكيف أن الأندلسي كان ينفق ما عنده من مال حتى يتعلم ومتى عُرف بالعلم أصبح في مقام التكريم والإجلال ويشير الناس اليه بالبنان.
وقد اختلفت منزلة الأشخاص باختلاف سماتهم واتجاهاتهم الشخصية ؛ فقد كان منهم طبقة بارزة أسهمت في السياسة العامة للدولة ، وظفرت لذلك بالحظوة عند الأمراء ، وقد سجل ابن حَيَّان كل ذلك في تاريخه وبدقة بالغة . مما سبق يتضح لنا أن كتب ابن حَيَّان تناولت وبتفصيل دقيق تاريخ المسلمين في الأندلس سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً مما أهله لأن يكون حامل لواء التاريخ في الأندلس .

شهادات استشراقية أنصفت الحضارة الإسلامية

نستقرئ مما اعترف به المنصفون من المستشرقين أن الحضارة الإسلامية كانت هي صاحبة الفضل في إرساء الحجر الأساس للحضارة الأوربية الحديثة؛ حيث أسهمت بكنوزها في الطب والكيمياء والرياضيات والفيزياء في الإسراع بقدوم عصر النهضة وما صحبه من إحياء للعلوم المختلفة.

فبينما كانت الحضارة الإسلامية تموج بديار الإسلام من الأندلس غربا لتخوم الصين شرقا كانت أوربا وبقية أنحاء المعمورة تعيش في ظلام حضاري وجهل، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على الغرب وتطرق أبوابه. فنهل منها معارفه وبهر بها لأصالتها المعرفية والعلمية.%d8%af%d8%b1

فلم تَخلُ أوروبا من مؤرخين أبصروا ما للمسلمين من فضل في الحضارة الإنسانية على الحضارة الأوربية؛ فألفوا كتباً ودراسات منصفة تشيد بفضل المسلمين الذي لا يمكن إنكاره. فقد نذكر نفرًا منهم درسوا هذه الحضارة دراسة وافية وأبدوا إعجابهم بها.

فمثلاً يقول “توماس أرنولد”: “كانت العلوم الإسلامية وهي في أوج عظمتها تضيء كما يضيء القمر فتُبدد غياهب الظلام الذي كان يلف أوربا في القرون الوسطى.”
ويقول “جورج سارتون” في كتابه “مقدمة في تاريخ العلم”: “إنّ الجانب الأكبر من مهام الفكر الإنساني اضطلع به المسلمون؛ فـ”الفارابي” أعظم الفلاسفة، و”المسعودي” أعظم الجغرافيين، و”الطبري” أعظم المؤرخين”.
كذلك يُبدي “تومبسون” إعجابه بالعلوم الإسلامية فيقول: “إن انتعاش العلم في العالم الغربي نشأ بسبب تأثر شعوب غربيِّ أوربا بالمعرفة العلمية العربية وبسبب الترجمة السريعة لمؤلفات المسلمين في حقل العلوم ونقلها من العربية إلى اللاتينية لغة التعليم الدولية آنذاك.” ويقول في مكان آخر: “إن ولادة العلم في الغرب ربما كان أمجد قسم وأعظم إنجاز في تاريخ المكتبات الإسلامية.”

هذا، وقد أبدى الباحث اليهودي “فرانز روزانتال” إعجابه الشديد ودهشته البالغة لسموّ الحضارة الإسلامية وسرعة تشكلها، فيقول: “إن ترعرع هذه الحضارة هو موضوع مثير ومن أكثر الموضوعات استحقاقًا للتأمل والدراسة في التاريخ. ذلك أن السرعة المذهلة التي تم بها تشكل وتكوّن هذه الحضارة أمر يستحق التأمل العميق، وهي ظاهرة عجيبة جدًّا في تاريخ نشوء وتطور الحضارة، وهي تثير دومًا وأبدًا أعظم أنواع الإعجاب في نفوس الدارسين. ويمكن تسميتها بالحضارة المعجزة؛ لأنها تأسست وتشكلت وأخذت شكلها النهائي بشكل سريع جدًّا ووقت قصير جداً، بحيث يمكن القول إنها اكتملت وبلغت ذروتها حتى قبل أن تبدأ.”

وقد أشاد أحد الباحثين وهو “روبرت بريفولت” بالحضارة الإسلامية فقال: “إن القوة التي غيرت وضع العالم المادي كانت من نتاج الصلة الوثيقة بين الفلَكيين والكيميائيين والمدارس الطبية. وكانت هذه الصلة أثرًا من آثار البلاد الإسلامية والحضارة العربية. إن معظم النشاط الأوربي في مجال العلوم الطبيعية إلى القرن الخامس عشر الميلادي كان مستفادًا من علوم العرب ومعارفهم، وإني قد فصلت الكلام في الدور الذي لعبته العربية في اليقظة الأوربية؛ لأن الكذب والافتراء كانا قد كثرا في العصر الحاضر، وكان التفصيل لا بد منه للقضاء عليهما”.

ويقول المستشرق “أدم متز” في كتابه “الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري”: “لا يعرف التاريخ أمة اهتمت باقتناء الكتب والاعتزاز بها كما فعل المسلمون في عصور نهضتهم وازدهارهم، فقد كان في كل بيت مكتبة.”
ويقول “رينيه جيبون”: “لم يدرك كثير من الغربيين قيمة ما اقتبسوه من الثقافة الإسلامية، ولا فقهوا حقيقة ما أخذوه من الحضارة العربية في القرون الماضية”.
ويذكر “هينولد” أن ما قام على التجربة والترصد هو أرفع درجة في العلوم، وأن المسلمين ارتقوا في علومهم إلى هذه الدرجة التي كان يجهلها القدماء. فقد قام منهاج المسلمين على التجربة والترصد وكانوا أول من أدرك أهمية المنهاج في العالم، وظلّوا عاملين به وحدهم زمنًا طويلاً.
ويقول “دُولنبر” في كتاب “تاريخ الفلك”: “لقد منَح اعتمادُ العرب على التجربة مؤلفاتِهم دقة وإبداعاً، ولم يبتعد العرب عن الإبداع إلا في الفلسفة التي كان يتعذر قيامها على التجربة”. ويستطرد قائلاً: “ومن مباحثنا في أعمال العرب العلمية أنهم أنجزوا في ثلاثة قرون أو أربعة قرون من الاكتشافات ما يزيد على ما حققه الأغارقة في زمن أطول من ذلك كثيرًا، وكان تراث اليونان قد انتقل إلى البيزنطيين الذين عادوا لا يستفيدون منه زمنا طويلا، ولما آل إلى العرب حوّلوه إلى غير ما كان عليه، فتلقّاه ورثتهم (يقصد الأوروبيين حديثاً) وحوّلوه مخلوقاً آخر.”

ويقول “مسيو ليبري”: “لو لم يظهر المسلمون على مسرح التاريخ لتأخرت نَهضة أوروبا الحديثة عدة قرون”. ولقد أشار أيضاً إلى هذا المعنى المؤرخُ الفرنسيُّ الشهير “سديو” في تاريخه الكبير، الذي ألفه في عشرين سنة، بحثًا عن تاريخ المسلمين، وعظيم حضارتهم، ونتاجهم العلمي الهائل، فقال: “لقد استطاع المسلمون أن ينشروا العلوم والمعارف والرقيَّ والتمدُّن في المشرق والمغرب، حين كان الأوروبيون إذ ذاك في ظلمات جهل القرون الوسطى….” إلى أن يقول: “ولقد كان العرب والمسلمون -بما قاموا به من ابتكارات علمية- ممن أرْسَوا أركان الحضارة والمعارف، ناهيك عما لهم من إنتاج، وجهود علمية، في ميادين علوم الطب، والفلك، والتاريخ الطبيعي والكيمياء والصيدَلَة وعلوم النبات والاقتصاد الزراعي وغير ذلك من أنواع العلوم التي ورِثناها نحن الأوروبيين عنهم، وبحقٍّ كانوا هم معلمينا والأساتذة لنا.” ويذكر العلامة “سديو” أيضًا: “أن المسلمين سبقوا كيبلر وكوبرنيك في اكتشاف حركات الكواكب السيارة على شكل بَيضِي وفي دوَران الأرض. وفي كتبهم من النصوص ما تعتقد به أن نفوسهم حدثتهم ببعض اكتشافات العلم الحديث المهمة”.

هذا، ولم ينسَ فضلاء علماء الغرب أن يعترفوا بهذه الحقيقة، ونستقي من كتاب “حضارة العرب” لـ”غوستاف لوبون” حيث يقول: “وكلما أمعنا في دراسة حضارة العرب والمسلمين وكتبهم العلمية واختراعاتهم وفنونهم ظهرت لنا حقائق جديدة وأفاق واسعة، ولسرعان ما رأيتَهم أصحاب الفضل في معرفة القرون الوسطى لعلوم الأقدمين، وإن جامعات الغرب لم تعرف لها مدة خمسة قرون موردًا علميًّا سوى مؤلفاتهم، وإنهم هم الذين مدّنُوا أوروبا مادة وعقلاً وأخلاقا، وإن التاريخ لم يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه في وقت قصير، وأنه لم يَفُقْهم قوم في الإبداع الفني”. ويستطرد قائلاً: “ولم يقتصر فضل العرب والمسلمين في ميدان الحضارة على أنفسهم؛ فقد كان لهم الأثر البالغ في الشرق والغرب، فهُما مدينان لهم في تمدّنِهم، وإن هذا التأثير خاص بهم وحدهم؛ فهم الذين هذّبوا بتأثيرهم الخُلُقي البرابرة، وفتحوا لأوروبا ما كانت تجهله من عالَم المعارف العلمية والأدبية والفلسفية، فكانوا مُمدِّنين لنا وأئمة لنا ستة قرون. فقد ظلّت ترجمات كتب العرب ولا سيما الكتب العلمية مصدرًا وحيدًا للتدريس في جامعات أوروبا خمسة أو ستة قرون. فعَلى العالم أن يعترف للعرب والمسلمين بجميل صنعهم في إنقاذ تلك الكنوز الثمينة”.

ويذكر المستعرب الصيني “لي قوان فبين” وكيل وزارة الخارجية الصينية، وعضو مجمع الخالدين (اللغة العربية) بالقاهرة، وصاحب الدراسات العاشقة لتراث وحضارة العرب والمسلمين “أن الحضارة الإسلامية من أقوى حضارات الأرض، وأنها قادرة على اجتياز أي عقبات تواجهها لأنها حضارة إنسانية الطابع، عالمية الأداء، رفيعة القدر علميًّا وفكريًّا وثقافيًا. وبعدما تعمّقتُ في الأدب العربي القديم والحديث ازْداد اقتناعي بأن الشرق يمتلك سحر الحضارة والأدب والثقافة، وأنه صاحبُ الكلمة المفكِّرة والعقلية المنظمة؛ إذن فالحضارة الإسلامية تحمل عوامل البقاء؛ لأنها عصية على الهدم، لتوافر أركان التجدد والحيوية في نبضها المتدفق، وهي من أقوى حضارات الأرض قاطبة؛ لأنها تستوعب كل ما هو مفيد من الآخر وتصهَره في نفسها ليصبح من أبنائها، بخلاف الحضارة الغربية المعاصرة، كما أن الحضارة العربية الإسلامية تتسم بأنها عالمية الأداء والرسالة، إنسانية الطابع، جوهرها نقي ومتسامح”.

ويقول الدكتور “خوسيه لويس بارسلو” أحد الباحثين الأسبان: “يجب أن نقرر الأهمية الحقيقية لتأثير العلوم الإسلامية، فهي من الناحية الموضوعية قد ساعدت على وجود المعايير الطبية الحالية”. ويذكر من هذا المنطلق: “فقد أرسى الإسلام مدنية متقدمة تعد في الوقت الحاضر من أرْوع المدنيات في كل العصور، كذلك فإنه أيضًا قد جمع حضارة متينة متقدمة؛ وذلك إذا ما طرحنا جانبًا الاضمحلالَ الواضح للقوى السياسية، والتفكك الظاهر للدول الإسلامية. فإن الشخصية الجماعية للإسلام قد صمَدتْ أمام كافّة أنواع التغيرات، ذلك لأن معيار الشخصية الجماعية هو المدنيةُ عامة والتقاليد التي لم تنطفِئْ أو تَخمُد. هذه هي روح الإسلام كما يجب أن يفهمها أولئك الذين يحاولون عن عمدٍ وسوء نية تشويه صورته”.